بلدات مهمشة وطقوس دينية غائبة.. حال من تبقى من المسيحيين في إدلب

إدلب- نورث برس

على مقربة من بلدة القنية غربي إدلب، شمال غربي سوريا، يعيش ربيع جلوف (52عاماً) وهو اسم مستعار لأحد السكان المسيحيين، رفقة زوجته، وحيدين، بعد أن هاجر أولاده الأربعة مع مئات المسيحين القرية.

ويقول الرجل الخمسيني إن “أكثر من 95 بالمئة من سكان القرية نزحوا من الفترة الممتدة بين عام 2015 – 2018″، وذلك مع إطباق هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) سيطرتها على جميع مفاصل الحياة في إدلب.

وتحدثت تقارير صحفية عن وجود ما يقرب 200 شخص من الطائفة المسيحية في إدلب حتى نهاية عام 2021،
وجلهم كبار السن، ويتوزعون في مدينتي جسر الشغور وإدلب، وقرى القنية واليعقوبية والجديدة وحلوز والغسانية، وينتمي معظمهم لطائفة الروم الأرثوذكس.

فيما كان عددهم قبل الحرب السورية، يقدر بنحو عشرة آلاف نسمة في مناطق إدلب.

تضييق ممنهج

ودأبت الفصائل المتشددة منذ سيطرتها على مناطق إدلب عام 2015، وتتقدمها هيئة تحرير الشام، على ممارسة سياسية التضيق على أبناء الطائفة المسيحية، ناهيك عن مصادرة أملاكهم وبيوتهم وإغلاق كنائسهم ومنعهم من ممارسة طقوسهم الدينية، يقول “جلوف”.

وأضاف الرجل المسيحي أن تلك السياسية، “كانت من أبرز الأسباب في هجرة معظم المسيحين المنطقة”.

وأشار إلى أن هيئة تحرير الشام “سمحت مؤخراً للمسيحين بممارسة طقوسهم الدينية يوم الأحد فقط، دون قرع الأجراس أو تعليق الصلبان في كنيسة ماري يوسف التابعة للقرية”.

ويعمل “جلوف” كمزارع، يعتمد على ما تجود به أرضه المزروعة بمختلف أصناف الحمضيات والتي تأخذ هيئة تحرير الشام “زكاتها” بنسبة 2.5 بالمئة من محصولها السنوي.

ورفض رائد سلجق (45عاماً) وهو اسم مستعار لأحد المسيحين في بلدة اليعقوبية غرب إدلب، الهجرة وترك بيته وأرضه في البلدة كما فعل أغلب سكانها من المسيحين.

ويقول ” سلجق” إنه ورغم التضييق الممنهج وسياسة “التطفيش” التي اتبعتها الفصائل العسكرية وعلى رأسها الهيئة، “آثر البقاء متمسكاً بتراثه وبلدته التي ترعرع بين أحيائها”.

ويشير “سلجق” إلى أن مناطق المسيحين مهمشة وتفتقر لأدنى المقومات الخدمية كالمدارس والنقاط الطبية والمؤسسات المدنية والمنظمات الإغاثية على عكس القرى والبلدات المجاورة”.

ويعيد السبب في ذلك، “لسياسة تضييق الخناق التي تتبعها القوة المسيطرة في المنطقة على من تبقى من المسيحيين ودفعهم للهجرة أو النزوح”.

“تغير ديمغرافي”

ويقول الأربعيني، إن “المقاتلين الأجانب يستحوذون على جميع ممتلكات المسيحين في القرى المسيحية في إدلب ومنطقة جسر الشغور غربي إدلب”.

ومن شأن ذلك “إحداث تغيير ديموغرافي في المنطقة التي طالما تعايش فيها المسيحيون من سكانها مع المسلمين”، بحسب “سلجق”

ويشير إلى أن معظم أراضي وأملاك أشقائه، “تم استملاكها من قبل عناصر الهيئة، “حتى أنهم كانوا سيأخذون أرضيَّ أيضاً، لولا أنني قمت برفع دعوى قضائية بحقهم في محاكم مدينة إدلب”، على حد قوله.

وبحسب سكان فإن هيئة تحرير الشام تسعى إلى دفع سكان الأقليات من المسيحيين والدروز للتفكير بالهجرة أو النزوح إلى مناطق سيطرة الحكومة السورية، لتحقيق غاية لها “ألا وهي جعل المنطقة من مكون واحد يوافق أفكارها”.

من جهته، يقول محمد الرشيد (28عاماً) وهو اسم مستعار لناشط إعلامي مقيم في مدينة إدلب، إن أوضاع المسيحيين القاطنين في مدينة إدلب لا تختلف عنها في باقي المناطق، حيث صادرت الهيئة منازلهم تحت مسمى “أملاك دولة” وتقديمها إلى عناصرها أو تأجيرها للنازحين.

ويضيف “الرشيد” أن الهيئة عملت على إغلاق ” كنيسة العذراء” وتغير معالمها وتأجير قسم منها لأحد الأشخاص الذي حولها بدوره لمتجر بيع للأثاث والمفروشات المنزلية.

إعداد: سعيد زينو- تحرير: فنصة تمو