العتالة في إدلب.. مجهود مُضاعف للتخفيف من وطأة الفقر

إدلب – نورث برس

يحتمل إبراهيم العلوان (51 عاماً) من سكان معرة مصرين بريف إدلب الشّمالي، ألم ظهره وكتفيه وهو يُنزل صناديق الفاكهة والخضار من السّيارات في السّوق، متخوفاً من زيارة الطّبيب الذي سيمنعه عن العمل.

ويقول لنورث برس: “ظروف الحياة الصّعبة أجبرتني على تفريغ ثلاث أو أربع سيارات يومياً، فأنا بحاجة للإنفاق على زوجتي المُصابة بالسّرطان، وتأمين لقمة عيشي”.

ومنذ ستة أشهر، اكتشفت زوجة “العلوان” إصابتها بسرطان الثّدي، ويبلغ ثمن أدويتها الشّهرية المُسكنة للألم  200ليرة تركية، وسجلت اسمها للدخول إلى تركيا وتلقي العلاج.

ويتقاضى الرّجل مبلغ 30 ليرة تركية يومياً، وهو مبلغ غير كافٍ، لذا يعتمد على المبالغ المُتقطعة التي ترسلها له ابنته من تركيا، ويقطن في الحي الشّمالي مجاناً بمنزل غير مجهز.

ويُعيل الخمسيني أحفاده الخمسة الأيتام، بعد أنّ توفي اثنان من أبناءه في الأحداث السّورية، كما قال.

وفقد ابنه الأكبر حياته بغارة جوية أثناء وجوده في بلدة خان السّبل أواخر 2019، وكان يعمل على سيارته لإجلاء السّكان، بينما الآخر فقد حياته بعد انضمامه للقتال في صفوف الفصائل ضد القوات الحكومية في 2020.

ومنذ منتصف 2020، بدأ الرّجل البحث عن عمل، بعد فصله من وظيفته في شركة المياه التّابعة للحكومة السّورية.

عمل مرهق

ومن جانبه يقول عبد الله اليوسف (40 عاماً) وهو أحد أطباء الأعصاب في إدلب، إنّ تأثير حمل الأشياء الثّقيلة يختلف من شخص لآخر “الأمر مرتبط بالقوة العضلية والوزن”.

وفي حال حُملت أوزان ثقيلة دون جاهزية، سيؤدي ذلك لتمزق الأربطة والأوتار، وأضرار في العمود الفقري والعظام، أو حدوث انزلاق في أحد غضاريف الفقرات، بحسب الطّبيب.

ويشير “اليوسف” إلى أنّ الأحمال الثّقيلة تؤثر على نمو الأطفال بشكل سلبي، “تتسبب لهم بإصابات بليغة ككسور في العظام وشّد العضلي”.

ولا يخفي حسان الخلوف (14 عاماً) النّازح من قرية بابيلا بريف إدلب الجنوبي إلى مدينة إدلب، خوفه وهو يحمل مواد البناء من رمل وحصى وينقلها إلى الطّابق الثّاني، بعد أنّ سقط أحد رفاقه، من شرفة غير مُكتملة البناء في الطّابق الأول.

ومنذ شهرين، سقط طفل بعمر العشر سنوات، من الشّرفة أثناء عمله في نقل الطّوب الإسمنتي، مما تسبب له بكسر في قدمه وجرح برأسه.

ويكابر الطّفل على إرهاقه، لأنه مجبر على إعالة اسرته، بعد تعرض والده لإصابة في الحرب عام 2019، وهو أكبر إخوته الثلاثة، “يجبرني الفقر وتفشي البطالة على التّحمل، فأنا لم أجد غير هذا العمل رغم بحثي المتواصل”.

أجور متدنية

وتعمل والدة حسان بشكل مُتقطع في الورش الزّراعية، وتتقاضى حوالي عشرين ليرة تركية يومياً، ومقارنة بتزايد مُتطلبات الحياة هذا المبلغ غير كافٍ، كونهم يقيمون في خيمة على أطراف إدلب.

ويتقاضى حسان عشرون ليرة تركية في اليوم، الأمر الذي يدفع بأسرته إلى التّخلي عن أنواع معينة من الأغذية والاحتياجات للتكيف مع مردوده.

وقبل التحاقه بالعتالة لم يترك الطّفل مكاناً إلا وبحث فيه عن عمل، كورش الحدادة ومطاعم المدينة، إلا أنهّ رُفض نظراً لعدم وجود شواغر، كما قال.

ورغم حلمه بأن يكون “معلماً للأطفال” ترك حسان المدرسة في الصّف السّابع الابتدائي، ليلتحق بعملٍ لا ضمانة فيه للعمال في حال تعرضوا للإصابات، نظراً لعدم وجود التأمينات الصّحية.

ويقول: “لا يرتبط عملنا بوقت محدد، ولا يوجد أي نوع من الرّقابة، فهناك أطفال لم يتجاوزوا العاشرة يعملون في هذا المجال”.

ولا يتقاضى الأطفال العاملون أجوراً كالتي يحصل عليها الكبار، الأمر الذي يجعلهم عرضةً “للاستغلال”.

ولا يكفي أحمد حاج إبراهيم (28 عاماً) النّازح من مدينة سراقب إلى مخيم في مدينة سرمدا بريف إدلب الشّمالي، مردوده من عمله في العتالة لذا يضطر للعمل في الليل كحارس في مستشفى الظّلال بمدينة الدّانا ويتقاضى 100 دولار أميركي شهرياً.

ويشير الشّاب إلى أنّ سيارات المواد الغذائيّة تدخل من تركيا، ويفرغها عدد من العمال في المحال التّجارية في مدينة سرمدا، مقابل خمس ليرات للعامل عن كل حمولة.

ويفرغ هو ورفاقه كل يوم خمس سيارات للمواد الغذائيّة، وبالكاد يكفي عمله ليلاً نهاراً، لتأمين نفقات أسرته.

ولا يتناسب الأجر اليومي للشاب، الذي لا يتجاوز الثلاثين ليرة تركية، مع صعوبة العمل والجّهد المبذول، فارتفاع الأسعار جعل تكلفة المعيشة لأسرته المكونة من خمس أفراد تصل لنحو 200 دولار تقريباً، كما قال.

إعداد: وعد رحيمة – تحرير: آيلا ريان