في ارتدادات الحرب في أوكرانيا على سوريا

ليس ثمة أهمية لموقف النظام السوري بالاصطفاف خلف موسكو في هجومها على أوكرانيا، ولا يهتم العالم إلى ذلك أن يقول رأس “النظام السوري” أن غاية روسيا من الحرب “تصحيح أخطاء التاريخ” أو أن روسيا “تدافع اليوم عن العالم وعن مبادئ العدل والإنسانية”، ذلك أن النظام سواء أعلن اصطفافه المتوقّع أم آثر الصمت فإنه في كل الأحوال شريك روسيا في سوريا، في المغنم والمغرم، وأن ما يحصل في أوكرانيا سيكون له صدى بعد أن تتلاشى رائحة البارود، والبداهة تقول إن تحقيق روسيا غاياتها سيقوّي من حضورها في سوريا وسيدعمّ النظام، والعكس بالعكس، بكلمات أقل: آلت سوريا قاطرة مرتبطة بإحكام شديد إلى القطار الروسيّ.

قد لا تظهر الارتدادات على الساحة السوريّة باكراً، سوى تلك المرتبطة بضبط النفقات العسكرية في سوريا، وهو ضبط مقترن باستدامة الحرب في أوكرانيا، ذلك أن روسيا ليس بوسعها التوسّع في الإنفاق العسكري على ما تقوله الأرقام وحالة الاقتصاد الروسي غير المستقر والذي تحيطه عقوبات اقتصادية عاجلة والتي قد تبلغ أوجها مع عزلها عن نظام سويفت SWIFT، فضلاً عن أن روسيا لم تتعهّد بتحسين أحوال السوريين. ولم تنفق، خارج الإنفاق العسكري، ما يستحق الوقوف عليه لتحسين أحوال السوريين أو تقديم الخدمات الأساسية لهم، إلّا إذا اعتبرنا صناديق المساعدات الإنسانية والدعائية بأنها غاية الأمر بالنسبة للسوريين.

تحذّر الأمم المتحدة من أن 14.6 مليون شخص باتوا بحاجة إلى المساعدة في سوريا، بزيادة قدرها 1.2 مليون شخص مقارنة بالعام الماضي، وهو ما يشي باحتمالات تعرّض مناطق سيطرة النظام لمزيد من الاضطرابات وتنامي حركة الاحتجاجات في بعض المناطق، لا سيّما مع إرجاء النظام الاتفاق مع الإدارة الذاتية والاستفادة من الموارد المهمّة التي تديرها الإدارة خاصة قطاع النفط. يأتي ذلك في ظل المخاوف من أزمة غذاء قد تضرب بأطنابها العالم وخاصة الدول الفقيرة كسوريا التي تعتمد على روسيا في إمدادها بسلال القمح، خاصة وأن روسيا وأوكرانيا يساهمان في إمداد العالم بـ 29% من احتياجاته من القمح، فيما تدرس دمشق في هذه الأثناء عرضاً مقدماً من إقليم القرم لتزويدها بالقمح للعام الجاري، إلى ذلك قفزت أسعار النفط خلال الأيام القليلة الماضية بمقدار 6% للبرميل الواحد.

تضاعف”المقاومة” في أوكرانيا خلال الحرب الدائرة من احتمالات تثبيط الهجوم الروسي وتكبيده الخسائر والحط من هيبة الجيش الروسي وأسلحته التي اختبرها في سوريا خلال السنوات الماضية (رغم الاحتمالات المتصلة بتحطيم أوكرانيا وتدميرها أو تقسيمها)، ما يعني أن نجاح المقاومة سيفضي إلى تهافت استراتيجية بوتين القاضية بالسيطرة على أوكرانيا وتنصيب حكومة موالية لموسكو، ولا شك أن تحقق ذلك من شأنه تقويض استراتيجية بوتين في سوريا أيضاً حيث تتنامى احتمالات استلهام التجربة الأوكرانية والتفكير في مقارعة الجيش الروسي وعدم الاكتراث للقوة الروسية طالما أنّها قابلة لأن تهزم، وتحقّق ذلك مقترن دائماً بما سيحصل في أوكرانيا، ولا يعني ذلك أن الهزيمة أو الانتصار حتميان هناك بقدر ما تنصبّ محاولة التحليل هنا على فكرة “تورّط” روسيا في حرب تضعفها وتتسبّب في عزلها دولياً وبالتالي تخرجها من حلبة التنافس مع الدول الكبرى، الولايات المتحدة والصين والاتحاد الأوروبي.

وجه آخر للصدى الأوكراني جاء على لسان فيصل المقداد، وزير الخارجية السورية، الذي حاول خلال مشاركته في أعمال نادي فالداي بروسيا، إرجاء مواجهاته إلى مرحلة لاحقة، إذ تودّد للإدارة الذاتية ولقوات سوريا الديمقراطية دون أن يقطع وعوداً بالاتفاق معها، وإن كانت كلماته تستبطن تهديداً واضحاً، لكنه إلى ذلك بدا ودوداً مع الأتراك من منصّته الروسية، فلم يستبعد “تطبيع” العلاقات مع تركيا، وإن بشروط مكرّرة، ويعني ذلك أن النظام بات أسير الحرب في أوكرانيا، ويحاول شراء الوقت ما أمكن، بدل أن يمضي في فرص السلام المتاحة حالياً والتي قد تتلاشى مجدّداً مع تبدّل الأحداث في أوكرانيا لغير صالح روسيا.

في الغالب لم تكن موسكو تتوقّع أن يتشكّل حلف عريض اتخذ من إلحاق الهزيمة بروسيا في أوكرانيا عنواناً له، ذلك أن المتوقّع كان انقساماً أوروبياً وتسليماً غربياً بقَدر كييف الروسي، فهل ستتوقّف مطاردة موسكو في أوكرانيا فقط أم أنها ستطاول الوجود الروسي على المتوسّط، وسوريا، أيضاً؟.

من المستبعد أن يعني التضييق على روسيا دعم جماعات المعارضة المسلّحة أو الجماعات الإسلامية الراديكالية في سوريا، إذ أنه ثمة افتراق عظيم  بين هذه الجماعات وبين ما يصطلح على تسميته المقاومة الأوكرانية، وهو ما يعني أن لسوريا خصوصية تمتاز من خلالها عن أوكرانيا، وهو ما قد يريح النظام إلى حين.

ومن الصعب أن تشذّ أو تخرج تركيا عن قواعد اللعبة مع روسيا في سوريا والتي تبدو شبه راسخة، هذا أيضاً يخفّض من حماسة المعارضة التي تستبشر خيراً في ما يجري بأوكرانيا من احتمالات تعثّر روسيا أو هزيمتها على المدى الطويل، فضلاً عن صعوبة إقناع الغرب بتبنّي المعارضة السورية البائسة أو إعادة تدويرها، وعليه فإن المؤشرات قد تقودنا إلى احتمال آخر مفاده الإبقاء على الأوضاع في سوريا على ما هي عليه مع نجاح روسيا أو فشلها في مسعاها العسكري في أوكرانيا.