أربيل محطة لجوء إلى استراليا لمسيحيين سوريين هجّرهم “داعش” وفصائل معارضة

أربيل- نورث برس

اتخذت عائلات مسيحية سورية من مدينة أربيل عاصمة إقليم كردستان العراق محطة لها، على أمل الهجرة إلى استراليا، بعد أن دفعها تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) وفصائل معارضة سورية موالية لتركيا، إلى ترك موطنها في الرقة ورأس العين بشمال شرقي سوريا.

وخلال سنوات الحرب السورية منذ عام 2011، تعرّضت العائلات المسيحية للاضطهاد على يد تنظيم “داعش” في بعض المناطق من جهة، وفصائل معارضة موالية لتركيا في مناطق آخرى بشمالي سوريا من جهة أخرى.

سوسن سعدو، وهي امرأة مسيحية تنحدر من رأس العين في شمال شرقي سوريا، استقرت في أربيل مؤخراً بعد رحلات نزوح برفقة زوجها وأطفالها بين رأس العين والرقة وحلب، وهي الآن تعد أيامها بعيدة عن كنائس مدينتها رأس العين منتظرة فرصة اللجوء إلى استراليا.

رأس العين.. قبل وبعد

تعود “سعدو” بذاكرتها إلى العام 2013، حين حررت “الوحدات الكردية” مدينة رأس العين، فقررت زيارة عائلتها، وقالت “في أول زيارة لرأس العين بعد تحريرها، شعرتُ أن قلق وخوف العائلات المسيحة قد هدأ قليلاً، وبدأت الحياة تعود إلى سابق عهدها، فالكرد كانوا إخواناً لنا، إلى أن احتلت تركيا المدينة وعاد الخوف مجدداً.”

وأضافت “سعدو” لنورث برس: “ولدت وعشت في مدينة رأس العين، إلى أن بدأت الحرب، وأحكمت المجموعات المسلحة قبضتها على المدينة”.

وقالت: “شعرنا بالخوف، هددونا بالقتل، كفروا ديانتا المسيحية، خسرنا حياتنا الهادئة المسالمة(..) وها نحن نبحث عن وطن يحتوينا، لذلك تقدمنا بطلب لجوء إلى أستراليا، وننتظر الموافقة للهجرة”.

وأشارت إلى أنه بعد الاجيتاح التركي لرأس العين عام 2018، هاجرت معظم العائلات المسيحية، وباتت المدينة خالية من المكون المسيحي.

أما هاسميك هوفنان فقد وجهت نظرها لعدسة الكاميرا، ابتسمت قليلاً ثم بدأت بالبكاء وقالت: “خلينا نعيد من الأول”، لم ترغب تصوير دموعها بعد أن خانتها كلماتها وهي تحن لحياتها في حلب، وتتمنى في الوقت ذاته حياة آمنة بعد أن تجاوزت الخمسين من عمرها.

الحرب مزقت المكون

و”هوفنان” تنحدر من مدينة الرقة، وعاشت في حلب، قالت إنه “قبل الحرب في سوريا لم نفرّق بين مسيحي ومسلم، إلى أن جاء المسلحون، وهجّروا المسيحيين وهددوهم بالقتل، فجئنا إلى أربيل بعد أن سمعنا أنه من الممكن اللجوء إلى أستراليا والبدء بحياة آمنة هناك”.

وفي قصة تشبه التي سردتها “هوفنان” و”سعدو”، يحكي واسكين كششيان ابن مدينة الرقة، الذي تجاوز الخمسين من عمره، أنه لم يتخيل يوماً مغادرة سوريا، لكن الواقع غلب خياله وهاجر بعد أن دخل التنظيم الرقة عام 2014.

ويقول “كيششيان” إنه “منذ ذلك الوقت (دخول داعش) تغيّرت حياتنا بالكامل، هرّبت عائلتي إلى مدينة حلب، وبقيت في الرقة، حفاظاً على عملي ورزقي”.

وبعد عامين من الاضطهاد على يد تنظيم “داعش”، استطاع “كيششيان” الهروب، ويكمل حديثه: “فرضوا على كل العائلات المسيحية دفع جزية سنوية مقدارها 17 غرام من الذهب، أجبرونا على حضور دروس الديانة الإسلامية، بحجة أن الدين المسيحي كافر، لذلك كانت حلب ملاذي الأول”.

ويضيف الرجل الخمسيني، إنه وصل إلى حلب في رحلة متعبة محفوفة بالمخاطر، تخللها السير على الأقدام مسافة 30 كيلو متر، لكنها تكللت بالنجاة من بطش “داعش” في الرقة.

بانتظار الهجرة إلى أستراليا

ويجلس “كيششيان” في غرفته الصغيرة، في حي عينكاوا وسط مدينة أربيل، يقلّب في المحطات التلفزيونية، علّه يتلقى خبراً مبشراً عن عودة أستراليا لتفتح أبوابها أمام اللاجئين السوريين.

وغادر “كيششيان” مدينة حلب منذ نحو عام متجهاً إلى أربيل، حالماً بالهجرة إلى أستراليا، حيث يمكن له أن يحيا كمسيحي بأمان، على حد قوله.

وقال: “دمرت الحرب بيتي ورزقي، غلاء المعيشة والإيجارات في حلب، الخوف من القتل بسبب الديانة، كلها أسباب دفعتني للقدوم إلى أربيل كمحطة، ريثما توافق مفوضية الأمم المتحدة على طلبنا بالهجرة إلى أستراليا”.

وتنتظر العشرات من العائلات المسيحية القادمة من سوريا، دورها في مفوضية الأمم المتحدة في أربيل، لإجراء مقابلات شخصية، والموافقة على طلباتهم بالهجرة إلى أستراليا، بعد أن فتحت الأخيرة أبوابها أمامهم، للقدوم والعمل والاستقرار، إلا أن انتشار فيروس كورونا، وازدياد عدد طالبي اللجوء أطال من انتظار بعضهم.

وما من حصيلة دقيقة بأعداد المسيحيين اللاجئين في أربيل، لكن يقدر عددهم بالعشرات وهو عدد ضئيل مقارنة بأعداد اللاجئين السوريين في الإقليم والتي تبلغ الربع مليون شخص.

وخلال سنوات الحرب في سوريا، ارتفعت وتيرة العنف ضد المسيحيين، وكان النموذج الأسوأ للتهجير المسيحي في مدينة حلب، حيث لم يتبق منهم سوى 70 ألفاً بعد أن كانوا 150 ألفاً، بحسب إحصائيات غير رسمية ذكرتها تقارير إعلامية.

إعداد: سهى كامل ـ تحرير: هوزان زبير