انفجار حراك السويداء يُنذر بأمل التّغيير

السّويداء نورث برس

هواء ممزوجٌ بالغضب والتّرقب، تعبق به أجواء مدينة السّويداء جنوبي سوريا، بعد استعار نيران الاحتجاجات التي بدأت في الثّالث من شباط/ فبراير الجاري، على خلفية رفع الدّعم الحكومي عبر البطاقة الذّكية.

ويقول أيهم رضوان (27 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان السّويداء: “لا نقبل بمعيشة الذُّل لذا انتفضنا لنطالب بأبسط حقوقنا وهو رغيف الخبز، الذي أضحى حلماً”.

ومع رفع الدّعم عما يقارب 596 ألفاً و628 عائلة، حمل الحراك الطّابع السّلمي، فتوقف على قطع الطّرق في أوتوستراد دمشق والرَّيف الشّرقي وصولاً إلى بلدة القريا في الرّيف الجّنوبي، والاعتصام أمام مقر عين الزّمان، وساحة الكرامة وسط المدينة.

ويشيد “رضوان” بـ”الحماس والأمل الذين دبا في صدور الشبان”، وأضاف في حديثه لنورث برس: “تيقنا أنّ إرادة الشّعوب تفوق أي سياسة”.

ويتعهد العشريني برفع وتيرة التّصعيد حتى الوصول لهدفهم.

ولا يخفى على العالم الوضع المعيشي الصّعب، الذي خلفته الحرب السّوريّة، منذ بدايتها في 2011، وكان لشبان السّويداء نصيبٌ كبيرٌ منها، فبعد أنّ كان سكانها أكبر الموالين للحكومة السّورية، يطالبون اليوم بإسقاطها، حسب ما تناقلته وكالات الإعلام المحلية.

طابع سلمي وضغط حكومي

وبدوره يقول إيهاب شقير (35 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان بلدة القريا جنوب السّويداء، إنهم بدأوا سلمياً بقطع الشّوارع تعبيراً عن احتجاجهم.

وفي الثّامن من شباط/ فبراير، وزع محتجو قرية نمرة بريف السّويداء الشرقي الحلوى على المارة ليؤكدوا على سلميتهم.

وما تزال الحكومة تستخدم طرقها المُعتادة لقمع المطالب، من محاولات تحريض، وتهديد، وكتابة التّقارير، كما أفاد “شقير”.

وأضاف: “رجال الحكومة نشروا أننا نمنع الطّلاب من متابعة دراستهم، في حين أنّ الطّريق كان مفتوحاً أمامهم، إضافة للحالات الإسعافيّة”.

ومن جانبه يتضامن أيمن شهاب الدّين، وهو محامٍ وناشط سياسي، مع أي مطلب للسكان، “أناصر كل من لحق به الظّلم”.

ويشارك في الاحتجاجات أطياف مُتعددة، تشكل كتلة شاملة نسبياً لشرائح المجتمع، حسبما يرى “شهاب الدين”.

وبلغ عدد نقاط الاحتجاج ما يقارب الـ 20 نقطة توزعت في مناطق مُتفرقة من المدينة، إضافة لوجود أكثر من سبع مناطق بريف السويداء شاركت بالاحتجاجات.

ويُقيم “شهاب الدّين” الخطاب والرّسائل السّياسية والمطالب للحراك، بـ”الجيدة”، ويشدد على “ضرورة المحافظة على السّلمية”.

والحل السّياسي الجّذري، الذي سيقود لبناء دولة حديثة، تنفتح عليها سياسياً واقتصادياً دول العالم، هو أساس حل “الأزمة السّوريّة”، حسب ترجيحات “شهاب الدّين”.

وحسب ما نقلته وكالات إعلام محلية، طالب المحتجون في الحراك، بـ”دولة مدنيّة ديمقراطية”، وتطبيق القرار الأممي 2254 الذي صدر في الثامن عشر من كانون الأول/ ديسمبر 2015 ويتعلق بوقف إطلاق النّار والتّوصل إلى تسوية سياسيّة.

ويشير الناشط المدني إلى عدم وجود الإرادة الجدية للحل، على المستويين الدّولي والمحلي، لذا “على السّوريين أنّ يقلعوا شوكهم بأيديهم”.

ويعتبر أنّ الحراك “يتم شيطنته، من الحكومة وأنصارها، لتخوين أي فئة تطالب بالتغيير، لأنها لا تجيد إلا لغة الإخضاع”.

ووفقاً لما سبق، يشير المحامي إلى أنّ الشّبان اليوم يبحثون عن “وطن بديل”، ليس لمجرد السّفر إليه بل للنجاة فيه.

وبعد أنّ تحولت الهجرة إلى حلمٍ يحلق في أفق شبان السّويداء، وفقدوا الأمل بوطنهم، جاء الحراك ليوقد الحماس في صدورهم، كما يرى عمر الطّويل (30 عاماً) وهو اسم مُستعار لأحد سكان شهبا شمال السّويداء.

ويقول: “ما نزال قادرين على التّغيير، وبناء الوطن الذي نحلم به، ولا مُساومة على الحياة الكريمة، وتحقيق العدل والمساوات، والتّوقف عن ملء جيوب المسؤولين على حسابنا”.

ومؤخراً، أعلنت الأمم المتحدة أن 90 بالمئة من السّوريين فقراء و60 بالمئة منهم يعانون انعدام الأمن الغذائي و7,78 مليوناً، لا يملكون أطباء أو مرافق طبيبة مستوفية للمعايير الدّنيا المقبولة عالمياً.

ترهيب عسكري ومطالب ثابتة

ويشير الصحفي نورس عزيز، إلى أنّ العامل الاقتصادي، وقرارات “النظام” ، هي السّبب في تصعيد الحراك، متوقعاً أنّ شدته ستزيد في الأيام القادمة.

وفي مشهد غريب عن السّويداء، نشرت الحكومة تعزيزات عسكرية كسيارات رباعية محملة بالأسلحة وحافلات لنقل الجنود، في الأيام الماضية، على خلفية الدّعوة التي أطلقها منظمو الحراك للتجمع.

وعن هذا، تقول ولاء الحلبي (26 عاماً)، إنهم ظنوا أنّ الحرب اندلعت على الحدود مع العدو، “لم نرَ هذه القوات عندما دخل داعش السّويداء في 2018، ولا لوقف عمليات تهريب المخدرات التي أفسدت جيلاً”.

وتشير إلى أنّهم لم يروا هذه التّعزيزات تحمي يوسف نوفل العشريني الذي قُتل أواخر كانون الثّاني/ يناير من العام الجاري، وسط حماية السّلطة للعصابات التي تقتل وتخطف.

وتضيف: “إنها فقط جاءت لقمع المطالبين بالعيش الحر الكريم”.

ويختصر حازم نوفل، شقيق يوسف،  نظرته للمجريات، بجملة “أقضوا وقتاً مع بعض، لأن ما بنعرف الموت أو الحياة، كيف بتاخد منا العالم يلي بنحبا”.

وبحزنٍ عميق على أخٍ لم تجف الدّموع عليه بعد، يقول “نوفل”: “من ماتوا حصلوا على الرّاحة، يتعذب الذين هم على قيد الحياة وهم مجبرون على الاستمرار، ففقداننا لأحبتنا رسالة لنبدأ التّغيير”.

وفي حال كانت التّعزيزات القادمة “ستُطهر السّويداء، ستلقى ترحيب الجّميع، أما إذا جاءت لغرض آخر فالزّمان دوار ومثل ما بيزرع الواحد بيحصد”، حسب تعبير “نوفل”.

وقال “عزيز”، إنّ هذه التّعزيزات “لا أحد يعول عليها لقمع العصابات التي تنشط منذ ثمانية أعوام ولديها علاقات مع الأمن العسكري”.

وأضاف الصّحفي: “العديد من العمليات التي نفذتها تلك العصابات كانت بتسهيلات أمنية”.

وفي 2021، وجدوا في منازل أفراد إحدى العصابات أسلحة ومتفجرات وبطاقات وسيارات أمنية،  ويُعلق على الأمر بالقول: “يستحيل أنّ تقمع العصابة عصابة أخرى”.

وحول المهلة المؤقتة التي وضعها الحراك بطلب من الهيئات الرّوحية للدروز الموحدون، يفيد “عزيز” أنها جاءت “لصياغة طلبات وتقديمها للنظام إذ أنه من غير الوارد خروجهم للشوارع دون مطالب واضحة”.

ويتوقع الصّحفي أنّ المطالب “لن تنفذ”، ذلك أنّ “ضباط النظام ما يزالون يعتقدون أنهم آلهة”، على حد تعبيره، وفي هذه الحالة يضيف: “سيستمر الحراك ويتوسع”.

ويرى “عزيز” أنّ الخلاص يكمن بتكاتف جميع السّوريين والمُطالبة بحقوقهم.

إعداد: رزان زين الدين ـ تحرير: هيلين محمد