حلب…رفع الدّعم “تعبئة لجيوب الفاسدين” على حساب المُستبعدين

حلب – نورث برس

تفاجأ كغيره الأربعيني محمود نجار من سكان مدينة حلب، شمالي سوريا، بالرّسالة التي تلقاها على هاتفه عبر تطبيق “وين” ، لأنه استبعد من الدّعم باعتباره خارج البلاد التي عاد إليها منذ أربعة أعوام.

وفي الأول من شباط/ فبراير الجاري، رفعت الحكومة السّورية الدّعم عبر البّطاقة الذّكية، وفقاً لمعايير محددة، وشمل القرار 596 ألفاً و628 عائلة، أي بنسبة 15 بالمئة من الأسر التي يصلها الدّعم، لكن الاحصائيات تشير إلى أنها تزيد عن 21 بالمئة.

وبعد سفر لم يستغرق سوى ستة أشهر إلى لبنان، رجع محمود منذ 2017 لمدينته، ويتساءل، “كيف لا تعلم دائرة الهجرة والجوازات أنني عدت منذ سنوات؟”

ويشمل رفع الدّعم المُسافرين إلى الخارج لأكثر من عام، وبلغ عددهم 687 ألف شخص، وفي حال كان رب الأسرة مسافراً  فقط، تُستبعد العائلة بأكملها.

ويستهزئ المُعيل لأربع أطفال، من أنه بنظر شركة تكامل شخص ثري، بالرّغم من عمله في ورشة للدهان والدّيكور، “ليس لدي أملاك أو عقارات مُسجلة باسمي”.

وعند مراجعته لمركز تكامل في حي الجّميلية بحلب، طلبوا منه التّوجه إلى الهجرة والجوازات وإبلاغهم بوضعه، وتقديم سند إقامة لهم، كما أفاد.

ولم يذهب إلى مقر الهجرة والجّوازات، لأنه مشغول بورشته، ويضيف “إن لم أعمل لا أستطيع إطعام أسرتي”.

ويشتكي الرّجل أنه بالرّغم من  تقبلهم الدّعم الضّئيل، “إلا أنهم رفعوه، رضينا بالهم والهم ما رضي فينا”.

ويرى أنّ القائمين على القرار لم يوفروا المواد “لا بالأسعار غير المدعومة أو غيرها”.

وأطلقت شركة تكامل موقعاً لتقديم الشّكاوى من الذين تم استبعادهم من الدّعم وتلقت المنصة 200 ألف اعتراض خلال اليومين الأولين من تطبيق القرار.

“فرز طبقي”

ويقول المُهندس المدني علاء المدارتي (44 عاماً) من سكان حي الأكرمية في حلب إنه حُرم من الدّعم لأنه يملك سيارة محركها 18 حصان، “بنظر الحكومة هذه رفاهية، مع أنّ موديلها قديم”.

ويعتبر “المدارتي” القرار فرز طبقي للسكان، “لا حق دستوري أو قانوني يبيح حرمان النّاس من الشّراء بالسّعر المدعوم”.

ويشير المهندس إلى أنّه لو حقق إلغاء الدّعم فائضاً بالميزانية، “فإنّ ذلك لن ينعكس إيجاباً على حياتنا، بالتأكيد ستذهب لجيوب الفاسدين”.

ويرى أنّ الذين شملهم الدّعم أُظهروا بصورة “متسولين، فالقرار الأخير هدفه التّغطية على فشل الحكومة في تأمين أبسط مستلزمات مواطنيها”.

ولاقى القرار الأخير برفع الدّعم، ردود فعل سلبية، على مواقع التّواصل الاجتماعي وتوقع كثيرون تغيرات في أسعار السّيارات.

هذا وكتب إبراهيم أبو حمد “أنا برأيي رح ترخص السّيارات اللي بلاد دعم وتغلا اللي بدعم، لأن المشكلة مو بس التغا دعم السّيارة، رح يلتغي دعم العائلة كلها بسبب السّيارة”.

واستبعد من يملكون سجلات تجارية من الدّرجات “الأولى والثّانية والثّالثة والرّابعة”، في حين أنّ أصحاب المشاريع المتناهية الصّغر لن يشملهم القرار.

“أسعار خيالية”

ولا مشكلة لدى حسان عربوني (50 عاماً) وهو صاحب محل لبيع المواد الغذائيّة في حي الميدان، لأنه استبعد من الدّعم كونه يملك سجل تجاري.

وفي المقابل يتساءل الرّجل من أين سيحصل على المحروقات والخبر؟، فربطة الخبز التي أقرتها الحكومة للمُبعدين بـ 1200 ليرة سورية، ولا تتوفر إلا على البسطات وبعص المحلات بـ2800 ليرة، بينما المدعوم بـ 500 ليرة سورية.

ويضيف، “المازوت الذي من المفترض أنّ نحصل من أي كازية عليه بـ 2500 ليرة،  لا يملكه إلا بعض التّجار بسعر 4000 ليرة سورية”.

وفي حال توفر الوقود في الكازيات، فعلى الرّاغبين بالحصول عليه الوقوف لساعات وربما أيام، حسبما قول “عربوني”.

وبالنسبة للبنزين غير المدعوم، فسعره 2500 ليرة سورية للتر الواحد وأسطوانة الغاز بـ 30 ألفاً، “العثور عليها بهذا السّعر ضرب من الخيال، ويجب أنّ تبتاعها بـمئة ألف ليرة وأكثر”.

وتوقع ناشطون على فيسبوك، أنّ هذا تمهيد لرفع الدّعم كاملاً، فكتب محمد خطيب “على الأغلب كل هالحكي مؤقت وإلغاء الدّعم قريباً سيشمل الجّميع”.

ومثلهُ مجد رضى الذي كتب “استاذ انتبهلي على  عبارة 500 ألف بطاقة مبدئياً وحطلي تحت مبدئياً عشر خطوط، أشهر قليلة ولن يبقى شي اسمو دعم”

وعلى ما يبدو أنّ الأمر لا يتعلق بالمُستبعدين ومن حالفهم الحظ للبقاء ضمن برنامج الدّعم، بل في العجز عن تأمين المادة سواء بأسعار مدعومة أو غير مدعومة، بحسب ما أفاده “عربوني”.

ويتساءل عن المواد التي لا تستطيع الحكومة تأمينها ومن اليسير إيجادها في السّوق السّوداء، دون معرفة كيفية حصول تجار هذه السّوق عليها، وبيعها بأسعار مرتفعة.

واختصر رأيه بجملة “على عينك يا تاجر”.

تقرير: رامي صباغ – تحرير: هيلين محمد