هرباً من “بلدٍ لا مُستقبل فيها” شبان في السّويداء يلجؤون للهجرة غير الشرعية

السّويداء – نورث برس

تجنباً لأن يكون شريكاً بـ “سفك دماء السّوريين” على حد تعبيره، سافر الشّاب الثّلاثيني من مدينة شهبا شمال السّويداء، إلى لبنان، بعد أن دفع عن طريق التّهريب ألفاً وأربعمئة دولار.

وقال ماهر الطّويل وهو اسم مستعار، لنورث برس، إنه مطلوب للخدمة الإلزاميّة، الأمر الذي دفعه للجوء لغياهب الاغتراب.

ودفع الرّجل ذو الـ(31 عاماً) مبلغ ستمئة دولار للحواجز والسّيارات في سبيل النَّجاح بالخروج من وطنه، إذ حصل على النّقود من بيع أرضه.

وعن طريق أقاربه الذين سبقوه للهجرة، تعرف “الطويل” على السّمسار، “أرسلوا لي رقم الشّخص الذي يُنسق مع الجّهات الأمنية”.

وأضاف، “جاءت سيارة أمنية، انتقلنا من السّويداء لدمشق، ثم حمص، بتسهيلات من مصادر أمنية لكي لا يُدقق في أوراقنا”.

وعند دخول لبنان يعمل غالبية المُهاجرين في البناء أو المطاعم، ووجود البعض فيها مؤقت، لأن أغلبهم يُكمل طريقه إلى أوروبا، عن طريق ليبيا، وعبر البحر إلى إيطاليا.

وعانت السّويداء منذ سنين طوال من التّهميش،  فالموارد التّنمويَّة والاقتصاديَّة تكاد تنعدم منذ أكثر من أربعين عاماً، حسب أقوال ناشط مدني لنورث برس، فَضلَ عدم ذكر اسمه.

ونظراً لما سبق بقيت الهجرة الغير شرعيّة هي الخيار الوحيد أمام سكان المنطقة، الذين يعايشون ظروف اقتصادية صعبة، لينطلقوا من السّويداء، ويدخلوا منطقة وادي خالد الحدوديّة بالأراضي اللبنانية، بحمايةٍ أمنية.

هَجَرَ مقاعد الجامعة

وفي أيلول/ سبتمبر 2021، سافر إيهاب رضوان (22 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد سكان مدينة السويداء من مدينته إلى لبنان، نظراً لأنه مطلوب أمنياً، بعد مشاركته بمظاهرات في 2020، كما أفاد.

ويرى “رضوان” أنّ أهم دافع للهجرة الغير شرعية، هو الانفلات الأمني، والوضع الاقتصادي المُتردي، معتبراً الأخير “وسيلة سياسية لإفراغ المنطقة من سكانها”.

وقبل تركه لمقاعد الدّراسة كان “رضوان” طالباً في كلية الهندسة الميكانيكيَّة في السّنة الثّالثة، “مُجبر على السّفر، راتب والدي موظف الحكومة لا يتجاوز المئة ألف ليرة سوريَّة، لم تعد تلبي احتياجاتنا”.

ومع ارتفاع أسعار المُستلزمات الضّرورية، يرى الشاب العشريني أنّ فنجان القهوة الصّباحية أصبح “ترفاً بالنسبة لشبابنا”، بعد  أن بلغ سعر كيلوغرام من القهوة 30 ألف ليرة سورية والسكر 2800 ليرة.

ويصف الشّاب الوضع في منطقته، بـ “البلد التي لا مستقبل فيها”، فهو قادر على التّأجيل طالما يدرس، ولكنه بعد حصوله على الشّهادة، لا يستطيع العمل بها، إذا لم يلتحق بالخدمة الإلزاميّة، التي لا سقف محدد لنهايتها.

وليتمكن “رضوان” من السّفر باعت والدته مصاغها الذّهبي.

للمجهول يرمون بأنفسهم

وبدوره سافر صقر شقير (24 عاماً)، إلى لبنان، وهو اسم مستعار لأحد سكان بلدة القريا جنوب السّويداء، في آب/ أغسطس 2021، متحملاً تكاليف الهجرة التي تختلف حسب الطّريق.

ويشير “شقير” إلى أنّ “الطّرق الآمنة تكاليفها باهظة، عكس الخطيرة.

وتُكلف الطّرق السّلسة على سبيل المثال، ستمئة دولار أميركي للشخص، أما الجبلية الوعرة فمئتين وخمسين دولاراً، إذ يُجبر المسافر عبرها على تسلق الجبال الخطرة، والمُحاطة بنقاط مُوزعة بين قوات الحكومة السّوريّة والجيش اللبناني، حسبما قال.

ويبلغ ارتفاع الجبال بشكل تقريبي أكثر من ألفين متراً، عن سطح البحر.

ولفت “شقير” النّظر إلى أنّ الشّبان يجبرون غالباً على اختيار  أخطر الطّرق، لقلة حيلتهم، فهم لا يملكون المال الكافي، إذ هناك تكلفة الحصول على جواز سفر، “يحصل المهاجرون بالطرق الغير شرعية، على جوازهم من السّفارة السّورية في لبنان”.

ووصلت الرسوم القنصلية لتكلفة جواز السّفر السّوري المُستعجل في الخارج إلى ثمانيمئة دولار أميركي.

ولا تقف المعاناة عند التّكلفة المادية واستغلال المُهربين، والمُخاطرة بحياتهم، بل تصل لتعرض بعض الشّبان للاختطاف أو الاعتقال، “يبقى الخوف موجوداً من أن يسلمونا للحكومة”.

وفي حال إلقاء القبض على الشّبان الذين يعبرون الطّرق الغير شرعية، يسجنون في الفروع الأمنية التّابعة للقوات الحكوميّة، قبل أن يُلحقوا بالخدمة الإلزاميّة.

يُقايضون حريتهم بالمال

وأشارت تقارير صحفية إلى وجود معابر غير شرعية بين سوريا ولبنان، تستغلها جهات مختلفة تابعة للحكومة السّورية أو لحزب الله اللّبناني، لنقل الأشخاص بين البلدين، بطرق غير شرعية، مقابل مبالغ مالية ضخمة.  

ويعتقد رامي السّعدي (27 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد سكان السويداء، أنّ الخطف والاعتقال يكون مخططاً له مُسبقاً، من المهرب أو الحواجز.

والخاطفون هم عبارة عن عصابات محليّة، من المناطق الحدودية في ريف حمص ولبنان، ولهم ارتباطات أمنية، ولا يطالبون إلّا بفدىً مالية.

وفي نيسان/ إبريل 2021، اختطف شابين من قرية النمرة في الرّيف الشمالي الشّرقي من السّويداء، وطلب الخاطفون فدية قدرها عشر آلاف دولار.

ووفقاً لمدير تحرير موقع السّويداء 24، ريان معروف فإنه خلال العام الماضي سَجلوا عشر حالات اختطاف في المنطقة الحدوديّة بريف حمص، “جميعهم أفرج عنهم بعد دفع فدية مالية

ويذكر “السعدي” وهو ابن منطقة صلخد جنوبي السّويداء، حادثة تعرض شابين من مدينته للاختطاف، منذ أسبوعين، عند وصولهما لحمص.

ودفع ذوو المُختطفين سبعة آلاف ومئتي دولار مقابل تحريرهما، حسب قول “السعدي”.

إعداد: رزان زين الدين – تحرير: هيلين محمد