“رزقة تحت الأرض”.. استخراج عيدان العرقسوس فرصة عمل لعشرات العائلات شمال الحسكة
تل تمر – نورث برس
مع حلول كل يوم مشمس خلال الشتاء، يخرج علي حسين(45 عاماً) برفقة مجموعة من شبان قريته الواقعة شمال الحسكة، شمال شرقي سوريا، في ساعات الصباح الأولى بحثاً عن عيدان العرقسوس على ضفاف نهري الخابور وزركان للاستفادة منها مادياً، في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التي تعاني منها المنطقة.
وتنتشر عيدان العرقسوس بكثرة تحت الأرض بالقرب من مجرى الأنهار، لأن المياه تشكل وسيلة مهمة لانتشار جذوره، ويبدأ موسمها سنوياً مع بداية الشتاء وحتى نهاية الصيف.

ومع تساقط الأمطار العام الحالي بكميات جيدة بعد عامين من الانحباس المطري، انتهز المئات من السكان المحليين في بلدة تل تمر 40 كم وريفها شمالي الحسكة، الفرصة للبدء بالبحث عنها وسط غياب فرص عمل جيدة تدر عليهم بمردود مادي جيد.
وفي قرية تل شنان 3 كم شرقي تل تمر، يوحي للعيان للوهلة الأولى بأن ضفتي نهر زركان المار بالقرب من القرية، تمت حراثتها تمهيداً لزراعتها، بينما في الواقع هي أثار لعمليات الحفر من قبل أشخاص يبحثون عن عيدان العرقسوس.
ويجهد “حسين” الذي ينحدر من قرية عب التينة جنوبي بلدة تل تمر وهو يحفر الأرض بواسطة أداة الرفش.
يقول لـنورث برس إن “هذه رزقة تحت الأرض ونجمع يومياً ما بين الـ 10 و 20 كيلوغرام من العرقسوس ونبيعها إلى التجار زهاء ألف ليرة سورية لكيلوغرام الواحد”.
ويضيف الرجل وهو أب لستة أولاد “نأتي بشكلٍ يوميّ من الساعة السابعة صباحاً وحتى الساعة الثالثة ظهراً، فمنذ شهر ونصف نأتي للحفر بحثاً عن العرقسوس، اضطررنا لهذا العمل بسبب تردي الاوضاع المعيشة رغم أنّه عمل مُنهك”.
ويمارس الرجل الأربعيني عمله في البحث عن عيدان العرقسوس منذ نحو 20 عاماً، كان قد ورثها عن آباءه وأجداده، وفق قوله.
صعوبات:
وتستخدم عيدان العرقسوس في الكثير من المجالات مثل العصير والأدوية وغيرها، ويُقبل التّجارعلى شرائها من مناطق سورية عدة.
وبينما يتصبب العرق من جبينه تحت أشعة الشمس، شارف “حسين” على ملئ كيس خيش من عيدان العرق السوس، إلا أن تدني أسعارها يضعه أمام تحديات كبيرة ببذل مجهود بدني أكبر لاستخراج أكبر كمية ممكنة في اليوم الواحد، تدر عليه بمردود جيد ليعيل به أسرته.
ويقول الرجل ذو البنية الجسدية الضعيفة، “هذه المهنة بالكاد تعيشنا نحن وأطفالنا، فالمواد الغذائية باهظة جداً، فعائلتنا كبيرة مكونة من 16 فرداً، أنا وأخي نتقاسم ذات المنزل، فعشرة الآلاف التي نجنيها يومياً من هذا العمل بالكاد تسد رمق العائلة’’.
ويضيف “لا يوجد عمل بديل أفضل من هذا المتوفر حالياً، سابقاً كنا نذهب إلى لبنان ودمشق للعمل لكن لم نعد نستطيع”.
وطيلة العامين الأخيرين، كان عمل البحث عن عيدان العرقسوس شبه منعدماً، بسبب الانحباس المطري والهجمات المستمرة للقوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة الموالية لها بشكل مستمر على المنطقة.
إلا أن “حسين” يشير إلى صعوبة أخرى تواجه عملهم وهي أنهم يعتمدون على التجار الذين يأتون من الرقة ومنبج وحلب للشراء، ففي حال لم يأتِ التجار يتوقف عملهم ، “فلا يوجد مكان أخر لصرف هذه العيدان”.
وعلى طول نهري الخابور وزركان بدءاً من بلدة تل تمر وصولاً إلى الحسكة، يشاهد مجموعات من فئات عمرية مختلفة من النساء والرجال والأطفال يحفرون باطن الأرض، بحثاً عن عيدان العرقسوس.
وبات هذا العمل الذي يمارسه الكثيرون خلال الشتاء خاصة، مقصد المئات من الأشخاص لسد رمق عائلاتهم، خاصة النازحين منهم.
مصدر رزق:
وبالقرب من مكان “حسين”، ينهمك عبدالرزاق الحسين وهو من ذات القرية التي ينحدر منها قرينه، وهو يحفر الأرض بقوة شديدة بواسطة معول، الذي لم يجد فرصة عمل مناسبة بعد توقف عمله في مهنة السيراميك بمدينة الحسكة.
ويقول “الحسين”(40 عاماً) وهو أب لسبعة أطفال لـنورث برس، بينما يتشح ثيابه بالرمل المنثور جراء الحفر، “كنت أعمل في الحسكة، لكن بسبب تراجع حركة العمل اضطررت اليوم للتوجه نحو البرية بحثاً عن العرقسوس لتأمين لقمة العيش”.
ويضيف بلهجته المحلية، “المعيشة صارت صعبة ولازم نشتغل لنعيش”.
ويتوجب على العاملين الذين يستخرجون عيدان العرقسوس بحفر الأرض لمسافة نحو نصف متر للوصول إلى جذور النبتة.

ويعاني “الحسين” كما أقرانه، الأمرّين في عملية بحثهم عن عيدان العرقسوس نظراً لاستخدامه أدوات حفر بدائية مثل الرفش والمعول دون ارتداء وسائل وقاية تحميهم من التشققات الجلدية.
ويقول بينما يظهر عليه علامات الوهن والتعب “عملنا هذا من الأعمال الشاقة، لكن ما يجبرك على المرّ إلا الأمرّ منه، كما تلاحظ أيدينا تشققت بسبب هذا العمل، حرمنا طعم النوم ليلاً بسبب الآلام العضلية”.
ويشير هو الآخر إلى أن ضيق الحال دفع به إلى العمل في هذا المجال، “اليوم جئت من المنزل ولا أملك فرنك واحد، جئت لأعمل لكي أخذ الطعام لأطفالي”.
ويضيف: “هذا مصدر رزقنا الوحيد لأنه أثناء هطول المطر نبقى في المنزل وخلال الأيام المشمسة نأتي للعمل، فهي فرصة وعلينا بذل جهد كبير في سبيل العيش”.