ركامٌ يحتضن بقية مقتنياته… هذا ما حال إليه منزل أحد سكان غويران بالحسكة
الحسكة – نورث برس
بعد إخراجها من تحت ركام منزله، ينفض الرّجل الأربعيني عطية عبد الرّحمن(44 عاماً)، من سكان حي غويران في الحسكة، شمال شرق سوريا، الغبار الذي تراكم على ألعابِ أطفاله.
ودُمر مسكنُ “عبد الرحمن” وهو موظف حكومي، كلياً ، بعد تحصن عناصر تنظيم الدّولة الاسلاميَّة(داعش) فيه، فكان من بين المنازل التي انهارت، على خلفية اندلاع المعارك بين الأخيرة من جهة، وقوات سوريا الدّيمقراطية بمساندة التّحالف الدّولي من جهةٍ أخرى.

وبعد هجوم خلايا نائمة للتنظيم سجن الصناعة في الحسكة وفرار عناصر “داعش” من السجن، في العشرين من كانون الثّاني/ يناير الماضي، وجد الرجل الأربعيني نفسه مجبراً على نقل والديه المُسنين وزوجته وأطفاله الخمسة إلى مكان آمن, كما قال.
ولم ينم سكان غويران تلك الليلة، فلحظات الهلع والتّرقب، بعد تفجير الخلايا النّائمة لـ”داعش” شاحنة مفخخة على بوابة السّجن في السّاعة السّابعة والنّصف مساءاً، قضت مضجعهم.
وأعلن هذا التّفجير بداية انفجارات متلاحقة لصهاريج الوقود التّابعة لسادكوب في محيط السّجن، مهدت الطّريق لعناصر “داعش” الذين أعلنوا العصيان داخله، للخروج والانتشار في الأحياء المجاورة.
وفي محاولة لوقف انتشار الفلول الهاربة بدأت قوات سوريا الدّيمقراطية وطائرة التّحالف، بالرد، ومحاولة ضبط زمام الأمور من جديد، فاندلعت على إثر ذلك اشتباكات عنيفة بين الطّرفين.
معارك حامية أسقطت المنازل
وفي الثّاني والعشرين من كانون الثّاني/ يناير الماضي، وبعد تحصن “داعش” في أحياء الحسكة، توجه “عبد الرحمن” بأسرته إلى أحد مراكز الإيواء وتحديداً بجامع مصعب بن عمير، ليبقوا هناك اسبوعاً.
وبعدها بيوم، نشرت القيادة العامة لقوات سوريا الدّيمقراطية بياناً، ذكرت فيه أنّ عدد من عناصر “داعش” الذين اعتقلوا، اعترفوا أنّهم كانوا يُحضرون للعصيان قبل ستة أشهر، وأنّ ما يقارب المائتي انتحارياً، هاجموا السّجن، متخذين من حي غويران مركزاً لهم.
ووصلت حصيلة المعارك خلال الأيام الثلاث الأولى إلى مقتل 175 من عناصر “داعش”، و فقدان 27 من قوات سوريا الدّيمقراطية لحياتهم، بحسب البيان.
وفي تلك الأثناء نشطت حركة النّزوح الجماعي بحيي غويران، والزّهور، وبقي قلة من الرّجال فيهما، ولا تخفى محاولات عناصر “داعش” للتخفي بين السكان وتحويلهم لدروع بشرية عنهم.
فتارة يرتدون ملابس نسائية، وفينة أخرى يقتحمون البيوت، الأمر الذي أدى لقصف الطّائرة لهم، داخل مواقع تحصنهم.
وبين الصّد والرّد، تضرر ستون منزلاً وحياً تجارياً في حي غويران، حسب تقديرات السّكان المحليين.
والآن، لم يبقَ من منزل الرّجل الأربعيني سوى جزء من الجّدار المُهدم والباب، بعد دمار ثلاث غرف ومنتفعاتها، ويُعبر “عندما وصلني خبر سقوط منزلي، حزنت في البداية”.
ويعزي نفسه بالقول “هناك عشرُ منازل أخرى في حارتنا نابها الأمر ذاته”.
“يحيا بالأمل بغدٍ أفضل”
وأعلنت قوات سويا الدّيمقراطية في 31 كانون الثّاني/ يناير الماضي، انتهاء حملة “مطرقة الشّعوب” كما أطلق عليها، وسط استمرار ملاحقة عناصر “داعش” الفارين من السجن والمتواجدين ضمن الأحياء السكنية”.
وحول احتمالية تعويض المتضررين من الاشتباكات والقصف، قال مصدر من مجلس مقاطعة الحسكة لنورث برس إنه وفور انتهاء حملة ملاحقة عناصر “داعش” الفرين ستتشكل لجنة لإحصاء المنازل التي طالها الضّرر.
وأضاف المصدر، ” وفق الامكانات المُتاحة، سيكون هناك احتمالية لتعويض المُتضررين”.
وما يؤرق فكر “عبد الرّحمن” حقاً هو مصير عائلته، التي فقدت مأواها، وهو جُل ممتلكاته، ويتساءل بجملة “شقى عمري تدمر، وين أسكن أطفالي؟”.
ويضيف،”لا أملك القدرة على إعادة الإعمار أو الاستئجار، أنا الآن بلا مأوى، ولا أستطيع حتى شراء مستلزمات أطفالي”.
ومع ارتفاع أسعار البناء، يصعب ولربما يستحيل ما يسمى “إعادة الاعمار”، إذ بلغ سعر طن الحديد ثلاث تسعمئة دولار، والإسمنت بمئة دولار تقريباً، وبالنسبة لأجور المنازل فهي مرتفعة جداً، وتُقيم بالدّولار، إضافة لأنه في حالة “عبد الرّحمن” تم تجريف المنزل بالكامل.
وغويران حيٌ شعبي، يسكنه محدودي الدّخل، إذ يرى “عبد الرحمن” أنّ غالبية جيرانه غير مكتفين ذاتياً، “هم موظفون و عمال بالأجرة، وسائقو دراجات نارية”.
ويحيا عطية بالأمل والأماني “بغدٍ أفضل” من الأيام السّابقة بعد أنّ اضطر لإبقاء عائلته عند منزل شقيقته، وهو في ضيافة جاره حالياً، فيقول بحرقة “عم استنا رحمة ربي”.