يطرح مقتل زعيم تنظيم داعش أبو عبدالله القرشي، تساؤلات كثيرة عن التنظيم، ومستقبله، ونشاطه في المرحلة المقبلة، خاصة أن حادثة مقتله، جاءت بعد أيام من الهزيمة الكبيرة التي مني بها التنظيم في سجن الصناعة بالحسكة، على الرغم من وقوع أعداد كبيرة من الضحايا.
في الواقع، إذا كان التنظيم يتأخر عادة في الإعلان رسمياً عن مقتل زعيمه، وإعلان اسم خليفته، فإن الضربات التي تلقاها خلال السنوات الماضية، من هزيمته في الموصل العراقية، ومن ثم في الباغوز السورية، مروراً بمقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي، وأحداث سجن الحسكة، وصولاً إلى مقتل القرشي، فإن هذه الأحداث مجتمعة تشير إلى إضعاف قوة التنظيم وتفككه، ودخوله في أزمة تنظيمية وعقائدية وقيادية وفكرية، خاصة أن إمكانات التنظيم المالية قلت، كما أنه بات يفتقد إلى قيادات الصف الأول الذين كانوا معظمهم من العراقيين، فضلاً عن المعطيات التي تشير إلى اختراق التحالف الدولي لقيادة التنظيم بعد اعتقال عدد من قادته المهمين، وما مقتل البغدادي والقرشي إلا كان نتيجة جهد استخباراتي بالدرجة الأولى، وهو ما يشير إلى أن التنظيم قد يتأخر في اختيار زعيمه الجديد، خاصة أن التواصل بين قياداته بات صعباً، في ظل تجنبه استخدام وسائل التواصل المباشرة، إلى جانب صعوبة الانتقال الشخصي، وإيصال الرسائل سواء شفيها أو كتابيا، لكن كل ما سبق لا ينفي حقيقة إصرار التنظيم على البقاء ومحاولة العودة، وهو ما يطرح السيناريوهات المستقبلية عن الأشكال التنظيمية لداعش في المرحلة المقبلة.
قبل الحديث عن هذه السيناريوهات، لا بد من الإشارة إلى عدة نقاط مهمة، وهي:
- إن القرشي حاول خلال عهده الذي دام نحو سنتين، إعادة المركزية إلى التنظيم التي فقدها بعد مقتل البغدادي، وعليه يمكن ملاحظة كيفية انتقال التنظيم من استراتيجية الخلايا (النائمة) والذئاب الفردية إلى استراتيجية الهجمات القوية مؤخراً، كما حصل في سجن الحسكة وديالى العراقية والبادية السورية، إذ كشفت هذه الهجمات عن مركزية حققها القرشي رغم أنه لم يكن يتمتع بالكاريزما، كما كان حال البغدادي، إذ يكفي القول إن القرشي لم يلقِ خطاباً واحداً طوال فترة قيادته للتنظيم.
- تشير دلالة المكان الذي قتل فيه القرشي إلى مسألة في غاية الأهمية، فالمكان الذي قتل فيه لم يكن يبعد سوى بضع كليومترات عن نفس المكان الذي قتل فيه البغدادي، وهي منطقة إدلب التي تحولت إلى ما يشبه مخابئ سرية لقادة التنظيم وغيره من التنظيمات الإرهابية، لاسيما حراس الدين وهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) وغيرها من التنظيمات الإرهابية، حيث يعرف الجميع أن هذه المنطقة تخضع لنفوذ تركيا واستخباراتها، ولايمكن التصديق بأن قادة التنظيم يختارون هذه المنطقة للاختباء فيها عن عبث، وهو ما يطرح السؤال إلى متى ستبقى هذه المنطقة ملجأ ومعقلاً للإرهابيين؟.
- مع مقتل القرشي الذي كان أخذ على عاتقه استمرار التنظيم، تلقى الأخير ضربة قوية، ولعل غياب قادة الصف الأول يعمق من أزمته، وقد تتجسد هذه الأزمة في صعوبة ترتيب التنظيم لبيته الداخلي من جديد، لاسيما في ظل الحديث عن عدم رضى أطراف محددة داخل التنظيم على هيمنة الجناح العراقي على القيادة، وهو ربما ما قد يعرضه لموجة تصفيات داخلية كما حدث في مراحل سابقة.
أمام هذه المعطيات الجديدة، يمكن القول إن السيناريوهات التي تنتظر التنظيم هي:
1- سيناريو الاستمرار: ويتلخص هذا السيناريو في اختيار التنظيم قائداً جديداً له خلفاً للقرشي بعد ترتيب بيته الداخلي في الفترة المقبلة، ومحاولة الاستمرار في العودة إلى مركزية التنظيم، حيث تتجه الأنظار إلى جمعة عواد البدري شقيق الزعيم السابق أبو بكر البغدادي في أن يكون خليفة للقرشي.
2- سيناريو الولايات: تحول التنظيم بشكل كامل إلى العمل باستراتيجية الولايات، وهو ما يعني فقدان المركزية، وثمة من يرجح هذا السيناريو في ظل الملاحقة المستمرة للتحالف الدولي لقادة التنظيم لاسيما زعيمه، إذ أن مثل هذا السيناريو يصعب من مهمة ملاحقة قادة التنظيم ونشاطه، رغم أنه يضعفه خاصة لجهة قدرته على القيام بهجمات كبيرة.
- سيناريو الانفصال والتفكك: ويتلخص هذا السيناريو في أن يتحول التنظيم إلى فروع منفصلة في كل دولة تعمل فيها هذه الفروع، وينبثق هذا الاعتقاد من أن التنظيم بات منتشراً بشكل كبير خارج جغرافيته الأساسية أي العراق وسوريا، لاسيما أنه انتشر بشكل كبير في مناطق كثيرة، من أفغانستان شرقاً إلى نيجيريا غرباً، وأن نشاطه في الخارج بات أقوى من الداخل، وأن هذا الانتشار كفيل بتقسيم التنظيم إلى عدة تنظيمات، وأن قضية البيعة للخلفية لم تعد قائمة في فكر التنظيم.
4 – سيناريو الاضمحلال: وينبثق هذا السيناريو من أن التنظيم لم يعد قادراً على الاستمرار في نهجه القديم، وأن محاولات العودة إلى المركزية، كما العمل بنظام الولايات التابعة للمركزية فشلاً، وإنه بعد الهزائم التي تلقاها التنظيم، والملاحقة المستمرة لقادته، لم يتبق أمام التنظيم سوى تحويل عناصره إلى تنظيمات جديدة وبأسماء وقيادات جديدة، وهو ما يعني اضمحلال التنظيم في المكانية والظرفية.
في انتظار وضوح ملامح التنظيم في مرحلة ما بعد القرشي، يبقى الأهم هو معالجة تداعيات ما خلفه التنظيم، لاسيما بعد هجومه على سجن الحسكة، إذ لا يعقل بقاء عشرات آلاف من الدواعش وعائلاتهم في السجون والمخيمات في شرق الفرات إلى ما لا نهاية، كما لا يعقل استمرار تهرب المجتمع الدولي من مسؤولياته الأخلاقية والقانونية إزاء مصير هؤلاء، ومن دون تحقيق هذه الخطوات وغيرها، سيبقى داعش أو من على شاكلته يسعى إلى الاستثمار في التطرف والإرهاب بحثاً عن أيديولوجية النص والسيف والحد.