أهم لاعبي الملف السوري يتناحرون في أوكرانيا.. كيف ينعكس الأمر على سوريا؟

واشنطن – نورث برس

تدرك “كييف” أنه ورغم امتناع حلف الناتو عن التعهّد لموسكو بعدم ضم أوكرانيا إلى الحلف، أن فرصها في الانضمام إلى الناتو تبقى ضعيفة جداً، وبالتالي لن تحصل كييف على امتياز “البند الخامس” الذي يمنح الدول الأعضاء في الحلف مزايا دفاعية وأمنية في حال التعرّض لاعتداء عسكري.

في ظل هذا الواقع، تبحث كييف عن حلول عسكرية بديلة تحمي من خلالها أراضيها، وتصعّب على موسكو مسألة ابتلاع المزيد من أراضي أوكرانيا بعد أن اجتاحت موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014.

وعلى الرّغم من الدعم العسكري الجزئي، والدعم المعنوي الذي تتلقاه “كييف” من الغرب، تدرك أنها في موقف لا تحسد عليه، خاصة أن الخصم هنا هو الجيش الروسي، وهو ثاني أقوى جيش في العالم، في حين يحتل الجيش الأوكراني المرتبة 21 في الميزان ذاته.

وبالإضافة إلى أطنان السلاح المجاني الذي تقدّمه واشنطن وبريطانيا لأوكرانيا، تلتفت كييف إلى أنقرة، لتعقد معها صفقة تشتري من خلالها المزيد من الطائرات المسيرة Bayraktar  TB2، والتي نجحت كييف من خلالها تشرين الأول/أكتوبر الماضي، في قتال جماعات انفصالية مدعومة من روسيا، حيث دمّرت طائرة بيرقدار نهاية العام الماضي مدفع هاوتزر الروسي، الأمر الذي أثار خشية روسيا والجماعات المدعومة منها داخل أوكرانيا.

ومع ادراك أوكرانيا أن المسيّرات التركية لن تجعلها تتفوّق عسكرياً بأي حال على العملاق العسكري الروسي، إلا أنها تشكّل عامل ضغط موجع لروسيا والقوات المدعومة منها، حيث تؤدي المسيّرات التركية، بالإضافة إلى السلاح الأميركي والبريطاني إلى خسائر فادحة للجانب الروسي، ما يجعل موسكو تفكّر ملياً قبل الانطلاق بجولة جديدة من الصدام العسكري في أوكرانيا.

ففي كانون الأول/ديسمبر الماضي، ذكر الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، المسيّرات التركية الممنوحة لأوكرانيا على أنّها واحدة من عوامل التهديد التي يشكّلها الناتو على الأمن الروسي، وفي مكالمة مباشرة بين الرئيسين بوتين وأردوغان، احتّد بوتين قائلأً “إن استخدام الأوكرانيين للطائرات المسلحة بدون طيار التركية كان نشاطًا مدمرًا و استفزازيًا” وفقاً لبيان الكرملين.

وقال “سامويل راماني” الأستاذ المختص في الشؤون “الأوراسية” في جامعة اوكسفورد البريطانية، فإن ما يدفع تركيا إلى مساعدة أوكرانيا، ليس استرضاء حلف الناتو وحسب، بل العلاقة الاقتصادية والمصالح المشتركة الكثيرة بين أوكرانيا وتركيا، حيث أصبحت تركيا من أهم الشركاء التجاريين لأوكرانيا، مع ارتفاع حجم التبادل التجاري بين البلدين من  $7.5 مليار دولار الى $10 مليار دولار في السنوات الخمس الأخيرة.

وبالإضافة إلى اهتمام تركيا ببيع مسيّراتها لأوكرانيا لأسباب اقتصادية واستراتيجية، يقول “راماني” في حوار خاص أجرته معه “نورث برس” عبر الهاتف، أن تركيا تحذر من الذهاب بعيداً في دعم أوكرانيا عسكرياً، بل يحاول الرئيس أردوغان أن يلعب دور الوسيط، ليعطي بعداً دولياً هاماً لدور تركيا، وليقول للعالم أن دور تركيا يتعدّى الملفات الإقليمية في الشرق الأوسط، بالإضافة إلى رغبته بتصوير نفسه داخلياً على أنّه زعيم مهم في الساحة الدولية لعله يجني بعض المكاسب السياسية الداخلية.

وأضاف “راماني”، الرئيس الفرنسي ماكرون يحاول أن يلعب مثل هذا الدور أيضاً، إلا أنّ فرنسا وعلى أهميتها التي تفوق أهمية تركيا في ملف أوكرانيا، لم تتمكّن من فعل الكثير عبر وساطة رئيسها ماكرون في هذا الملف، وهو زعيم آخر يبحث عن مكاسب سياسية داخلية من الملف الأوكراني.

وذكر راماني، لنورث برس، أنه وعلى الرغم من محاولات تركيا إبلاغ روسيا بأنها صديق لموسكو وكييف بنفس الدرجة، وأنّ نواياها حسنة وتحاول التوسّط بين البلدين لخفض التصعيد، إلا أن موسكو ترى تركيا منحازة للغاية إلى الجانب الأوكراني.

وأشار إلى أن روسيا تعلم أن تركيا ترغب من خلال هذه التحرّكات بالاستفادة اقتصادياً وسياسياً وإظهار نفسها للحلفاء في “الناتو” على أنها حليف مفيد لايزال بالإمكان الاعتماد عليه، إلا أن الحقائق تقول أن التحركات التركية المنفردة للعب دور الوسيط من جهة، والتحركات الفرنسية من جهة ثانية، والأميركية من جهة ثالثة، تعزز اختلاف دول حلف الناتو حول شكل التعامل مع الملف الأوكراني الأمر الذي يصب في مصلحة روسيا في نهاية المطاف.

ورأى راماني، أن تركيا لا تزال تناور لتستفيد من الملف الأوكراني، إلا أنها لن تقوى على تحدي روسيا والوقوف خلف أوكرانيا بشكل فعّال إذا اندلعت الحرب بالفعل في أوكرانيا، وأن تركيا ستقوم بالدعوة إلى التهدئة وستبتعد عن المشهد إذا رأت أنه سيؤثر بشكل جذري على علاقتها بموسكو وملفات حساسة تربطها بموسكو مثل الملف السوري.

ويذكّر راماني بما حدث في الملفين الليبي والسوري، ففي كل مرة كانت تصل فيها الأمور إلى نقطة مواجهة مع روسيا كانت تركيا تخفف من تحديها للجانب الروسي وتخطو خطوة إلى الوراء لتجنّب أزمة كبرى مع موسكو.

وفي حال قامت تركيا بالنأي بنفسها عن الحرب الاوكرانية إذا اندلعت، لن يؤثر كل هذا على العلاقة الروسية-التركية وتفاهماتهما في الملف السوري، حيث يفيد “راماني” بأن روسيا تستفيد اليوم من وجودها في سوريا لدعم موقفها في أوكرانيا من خلال بعض الطلعات والتدريبات الجوية التي تقوم بها على الأراضي السورية، وكل هذه أمور لم تحاول تركيا وقفها أو التدخّل فيها، اذ تعلم تركيا أن أي خلاف كبير قد ينعكس على إدلب ومناطق النفوذ التركي في سوريا.

أما عن الهجمات التركية الأخيرة على مناطق من شمال شرق سوريا، ومناطق في العراق، فيرى “راماني” أنها مرتبطة بشكل أو بآخر بالمنحى الذي ستذهب إليه العلاقة الروسية-التركية، حيث يقول أن روسيا تراقب بحذر ما تفعله تركيا في شمال شرق سوريا، وتفضّل روسيا ألا يكون هناك تصعيد، إلا أنها لن تمانع الاستفادة أيضاً من التصعيد التركي ضد “قسد” للضغط على الادارة الذاتية لتقديم بعض التنازلات في حوارها المتقطع مع الحكومة السورية.

وعن موقف واشنطن من هذا التصعيد، يذكر “راماني” أن آخر ما يرغب به الرئيس الأميركي، جو بايدن، اليوم، في ظل هذا الاستعراض التركي في أوكرانيا، هو الاصطدام مع القوات التركية على الأراضي السورية، وهو أمر تقرأه تركيا استراتيجياً ولذلك تحاول أن تستغل هذا المشهد المتشابك والالتفات الأميركي إلى أزمة أوكرانيا.

إعداد: هديل عويس – تحرير: محمد القاضي