سكان قرية بريف ديرك يروون اللحظات العصيبة التي عاشوها بسبب القصف التركي

ديرك- نورث برس

يتجول عبد الله خليل عبدو (54 عاماً) وهو من سكان قرية عين ديوار بريف مدينة ديرك، أقصى شمال شرقي سوريا، بين غرف منزله المتضرر ويتمعن في الأجزاء المدمرة بعد أن طالته قذيفة قبل عدة أيام.

ويواسي الرجل الخمسيني نفسه، بالقول: “الحمد الله أنقذنا أنفسنا”.

وأنقذ “عبدو” عائلته من القصف التركي الذي استهدف قريته، لكنه لم يتمكن من إخراج ما كان يمتلكه من مبالغ مالية ومصاغ ذهبية تقدر قيمتها بأكثر من مليونين ونصف المليون ليرة سورية، كان قد تركها في المنزل أثناء الخروج منه، حيث احترقت بالكامل.

وبين ليلة وضحاها فرغت منازل قرية عين ديوار من سكانها بسبب قصف القوات التركية، إضافة إلى أضرار لحقت بالممتلكات وتسببت بخسائر كبيرة.

والأربعاء الماضي، قصفت القوات التركية قرى عين ديوار وبستا سوس وكري فرا بريف ديرك، بالأسلحة الثقيلة.

وأسفر القصف حينها عن إصابة شخصين من سكان عين ديوار وهما عمر عمرو (70 عاماً) وشاب آخر في الثلاثينات من العمر.

كما أسفر القصف عن تدمير منزلين، واندلاع النيران في خمسة منازل، كما تسبب بنزوح جماعي لسكان القرية إلى ديرك.

فيما اقتصر أضرار القصف الذي طال قرية كري فرا على المادية، إلى ذلك لم تنفجر قذيفتان سقطتا على قرية بستا سوس.

وقبله بيوم، أصيب أربعة مدنيين، جراء قصف تركي، استهدف محطة كهربائية بريف مدينة ديرك، كما أدى لانقطاع الكهرباء عن المنطقة جراء تدمير المحطة.

“احترق منزلي”

ويستذكر “عبدو” بينما كان واقفاً أمام إحدى غرف منزله المتضررة تفاصيل القصف، حيث كانت الساعة تشير إلى الواحدة ظهراً حينما بدأت القذائف تنهال على قريته، “رأيت جارنا وعائلته يخرجون من القرية، هرعنا نحن أيضاً للفرار، لحظتها كان الرصاص يأتي من كل مكان”.

واتجه “عبدو” كحال معظم سكان قريته إلى مدينة ديرك، ليتلقى اتصالاً من شقيقه في القرية يخبره بأن قذيفة سقطت على منزله.

يشير الرجل بيديه إلى أبواب ونوافذ منزله ولا يدري كم ستكلفه صيانته وإعادته إلى ما كان عليه في السابق، “لم يبقَ شيء. احترق المنزل بما فيه من مستلزمات، والأبواب والنوافذ تضررت بالكامل”.

ولم يقتصر القصف التركي على قرى بريف ديرك، إذ طال أيضاً قرى بريف منبج وقرى الأسدية ودادا عبدال وربيعات بريف ناحية زركان، إضافة إلى قصف قرى بريف تل أبيض وعين عيسى.

ووفقاً لبيان المركز الإعلامي لمجلس منبج العسكري، فإن عدد القذائف التي أطلقها الجيش التركي، من قاعدته المتمركزة في قرية الشيخ ناصر، بلغ 19 قذيفة هاون ومدفعية، سقطت 14 منها في قرية الصيادة و5 قذائف في قرية اليالنلي.

فيما قصفت القوات التركية وفصائل مسلحة موالية لها في ذات اليوم، قرى زنوبية عريضة عفدوكي، هوشان الدبس، والصوامع والطريق الدولي (أم فور) بريف مدينة تل أبيض وبلدة عين عيسى بالأسلحة الثقيلة.

وجاء القصف التركي بعد يوم من إعلان قوات سوريا الديمقراطية السيطرة الكاملة على سجن الصناعة في الحسكة الذي شهد هجوماً من قبل خلايا تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) في العشرين من كانون الثاني/ يناير الماضي.

“خسارة كبيرة”

وفي وقت سابق من الأربعاء الماضي، دعت الإدارة الذاتية التحالف الدولي وروسيا والمؤسسات الأممية، إلى وضع حد للهجمات التركية على شمال شرقي سوريا.

وحذرت الإدارة من أن هذه الهجمات هي محاولة تركية “لضرب استقرار المنطقة وتهيئة الفوضى بُغية عودة الإرهاب وتمرير تركيا لمخططاتها وأجنداتها التي فشلت في تحقيقها على مدار سنوات مضت”.

والسبت الماضي، زارت دورية روسية مؤلفة من ثلاث عربات عسكرية قرية عين ديوار.

وقال مصدر من القرية لنورث برس، حينها، “السكان تحدثوا مع عناصر الدورية حول النقاط التي تنطلق منها القذائف التركية والتي تستهدف بشكل عشوائي الممتلكات“.

ويسرد عماد رشيد (31 عاماً) وهو والد لثلاثة أطفال من قرية عين ديوار، اللحظات العصيبة التي عاشوها أثناء للقصف التركي، كما حال جميع سكان القرية.

ومع ازدياد حدة القصف وخروج السكان من القرية، قرر “رشيد”  إنقاذ عائلته لكن عدم امتلاكه لوسيلة نقل خاصة، أخر من فراره، ليستنجد بابن عمه الذي يملك سيارة ويخرجا معاَ برفقة عائلتهما من القرية.

ويجد الرجل نفسه محظوظاً إذ نجت عائلته من القصف رغم أنهم كانوا آخر من يغادر القرية، كما أن منزله لم يتضرر بفعل القذائف.

لكنه شعر بالحزن على جاره الذي احترق منزله ومخزون العلف من حنطة وشعير لديه، “خسارته كانت كبيرة”.

“هذه الأرض لنا”

ويضطر “رشيد” حالياً إلى أن يخرج بعائلته كل مساء إلى مدينة ديرك والمكوث عند أقاربه، ليعود في الصباح إلى القرية خوفاً من أي هجوم قد يحدث مساءاً ويبقى عالقاً مع أطفاله في القرية.

ورغم ذلك، لا تتبدد مخاوف “رشيد” على أطفاله وخاصة أنهم لا يعلمون متى تبدأ ساعة القصف.

وفي القرية ذاتها، لم تتمكن عائلة هدية خالد (55 عاماً) من إخماد النيران التي التهمت منزلها بعد سقوط قذيفة عليها، فقد خلت القرية من سكانها حينها.

تستذكر السيدة الثلاثينية بينما كانت تجلس أمام منزلها المحترق هي الأخرى، لحظة سقوط قذيفة على منزلهم، “كنا نجمع أغراضنا لنخرج من القرية، فجأة سقطت قذيفة على منزلنا”.

وتضيف: “تضرر منزلنا واحترقت أغراضنا حتى القمح والشعير المخزن”.

وخرجت “خالد” برفقة عائلتها من عين ديوار إلى إحدى القرى المجاورة، لتعود في اليوم الثاني، “هذه الأرض لنا والمنزل لي، الإنسان بلا أرض ومنزل لا يستطيع العيش”.

وتضيف بلهجتها المحلية: “إنهم يظلموننا كثيراً، نحن لم نضرهم بشيء”، في إشارة منها إلى القوات التركية.

وفي محاولة لمواساة نفسها، تقول السيدة: ” الحمدالله، الله سترنا، ماذا سنقول؟”.

 إعداد: متين حسن- تحرير: سوزدار محمد