التجربة الفاشلة لتحالف الديمقراطيين والإسلاميين في المعارضة السورية

 بعد شهر من انتصار الثورة الإيرانية بقيادة آية الله الخميني، كتبت جريدة “نضال الشعب” (العدد 206، آذار 1979) الناطقة باسم الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) الكلمات التالية: “إذا كان الدين قد لعب في إيران دوره المطلوب، مع الشعب ضد المستبدين به… فما الذي يمنعه أن يسهم في معركة كهذه في العالم العربي المنكود بأمثال الشاه؟”.

هنا، كانت الثورة الإيرانية بقيادة رجل دين أصولي شيعي وبجانبه على اليمين كان الليبرالي كريم سنجابي زعيم تنظيم “الجبهة الوطنية” وعلى يساره زعيم “حزب توده” الشيوعي نورالدين كيانوري، وهناك أيضاً على اليسار مسعود رجوي زعيم منظمة “مجاهدي خلق” وأيضاً على اليسار عبد الرحمن قاسملو زعيم “الحزب الديمقراطي الكردستاني الإيراني”.

وبالتأكيد كانت قيادة الحزب الشيوعي السوري (المكتب السياسي) تفكر وهي تكتب وتصادق على تلك السطور بشيء شبيه بما حصل في إيران. وفعلاً، بعد اندلاع المواجهة المسلحة بين السلطة السورية وجماعة الإخوان المسلمين إثر مجزرة مدرسة المدفعية في حلب بيوم 16 حزيران 1979، فإن الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) أخذ موقف الصمت عن عنف الإسلاميين وقام بتحميل السلطة مسؤولية الأزمة العامة في البلد. وداعياً إلى التغيير الديمقراطي الجذري، وقد استند الحزب في هذا الموقف على أن التناقض الرئيسي هو مع السلطة وليس مع الإسلاميين، ولكن إذا أراد المرء الدقة في تحليل البعد الباطني لهذا الموقف فإن الموضوع يتعلق بمراهنة على إمكانية تكرار التجربة الإيرانية ضد الشاه حيث كان التحالف بين الإسلاميين والديمقراطيين بتنوعاتهم الليبرالية واليسارية بكل ألوان اليسار من شيوعية وكردية وذلك المزيج بين الماركسية والإسلام الذي حاولته منظمة “مجاهدي خلق”.

في هذا الصدد لم يستطع الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) أن يأخذ (التجمع الوطني الديمقراطي)، عند تشكيله بالشهر الأخير من عام 1979 وهو الذي ضم مع (المكتب السياسي) كلاً من حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب العمال الثوري وحركة الاشتراكيين العرب وحزب البعث 23شباط، إلى فكرة “الجبهة العريضة” التي طرحها الحزب بما تعنيه من توسيع بيكار التحالف ليضم الإسلاميين، وهو لهذا ظل يمد الخيوط باتجاههم، كما بان هذا من خلال  زيارة عضو اللجنة المركزية أحمد محفل لبغداد أواخر آذار 1980 وحضوره مؤتمراً لمعارضين سوريين ضم قوميين عروبيين والمراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين، التنظيم العام عدنان سعد الدين، كما أن الحزب ظل طوال فترة الثمانينيات مصراً على مد تلك الخيوط، إلى أن حسمت قيادة الحزب هذا الأمر باتجاه الاكتفاء بالتحالف الذي يمثله (التجمع) كإطار للعمل في فترة التسعينيات.

عادت فكرة “الجبهة العريضة” للظهور ثانية عند الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) مع بداية العهد الجديد إثر وفاة الرئيس حافظ الأسد في يوم 10 حزيران2000، وكان الرأي بأن (التجمع الوطني الديمقراطي) لم يعد صالحاً وأن متطلبات المرحلة الجديدة تتطلب تحالفاً عريضاً يضم القوى الديمقراطية والإسلامية والقومية الكردية من أجل الوصول إلى معارضة قوية تستطيع تحقيق برنامج التغيير.

كان حضور مؤتمر لندن للمعارضة السورية في عام 2002 الخطوة الأولى على هذا الطريق وهو مؤتمر ضم قوى يسارية ماركسية وعروبية وضم إسلاميين وأحزاباً كردية وشخصيات مستقلة. وبعد أن توزع الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) باتجاهات عدة بعد تأسيس الأستاذ رياض الترك لحزب الشعب الديمقراطي عبر المؤتمر المنعقد في أواخر نيسان 2005، حيث ظل هناك كوادر وأعضاء من الحزب تحت اسم الحزب الشيوعي (المكتب السياسي) لعدم قناعتهم بالتخلي عن الماركسية والاتجاه نحو الليبرالية ولمخالفتهم للأستاذ الترك في سياسته التحالفية وفي رؤيته للمشروع الأميركي للمنطقة بعد احتلال العراق عام 2003، فإن الأستاذ الترك من خلال لقائه المراقب العام لجماعة الإخوان المسلمين علي صدر الدين البيانوني في لندن بشهر تموز 2005 قد استطاع إنجاز فكرة “الجبهة العريضة” من خلال تأسيس “إعلان دمشق” الذي ولد بيوم 16 تشرين الأول 2005 وضم أحزاباً ليبرالية وعروبية وكردية ثم انضم بعد أيام له حزب ماركسي هو حزب العمل الشيوعي.

لم يستطع “إعلان دمشق” الاستمرار بحمولة عام 2005 حيث خرج منه بالشهر الأخير من عام 2007 عروبيي حزب الاتحاد الاشتراكي وماركسيي حزب العمل الشيوعي. وقد كان “المجلس الوطني” الذي أعلن قيامه في اسطنبول بيوم 2 تشرين الأول 2011 نسخة جديدة عن التحالف بين الديمقراطيين الليبراليين والإسلاميين، أي (حزب الشعب الديمقراطي) و(الإخوان المسلمين)، مع تنوعات إضافية، وهو ما كرر بعد عام من خلال تشكيل “الائتلاف”في الدوحة.

هنا، كانت المحادثات الفاشلة في الأسبوع الأول من شهر أيلول 2011، بين “إعلان دمشق” و”الإخوان المسلمين” و”هيئة التنسيق”، من أجل تشكيل كيان تحالفي عريض، والمحادثات الفاشلة في القاهرة بالشهر الأخير من عام 2011 والتي أنتجت ورقة 30 كانون الأول 2011 الميتة بين “المجلس الوطني” و”هيئة التنسيق الوطنية” التي ضمت قوى عروبية وماركسية وحزب الاتحاد الديمقراطي-  pyd، أدلة إضافية على عدم إمكانية التحالف بين الديمقراطيين والإسلاميين، وفي هذا الصدد فإن مسيرة العشر سنوات الماضية تثبت ذلك.

كتكثيف: الخميني في السلطة كان غيره في الثورة وقد قتل حلفائه السابقين، مثل كيانوري وقاسملو، ولاحق رجوي، وأبعد سنجابي. محمد مرسي أدار ظهره لليبرالي محمد البرادعي والناصري حمدين صباحي بعد أن جعلوه فائزاً في الدورة الثانية للانتخابات الرئاسية ضد الفريق أحمد شفيق.

تجربة المعارضة السورية هي دليل ثالث على فشل التحالف بين الديمقراطيين والإسلاميين.