“بيسان” في القامشلي.. مركز تقديم رعاية لأطفال يعانون من التوحد
القامشلي- نورث برس
تنتظر منال علي وهي من سكان مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، تخريج طفلها محمد بعد عدة أيام من مركز بيسان لأطفال التوحد واضطرابات النطق والاستشارات النفسية، ليتابع تحصيله العلمي في المدارس.
وتعبر الأم عن فرحتها لما حققه طفلها من تحسن في وضعه، وذلك بعد أكثر من ثلاثة أعوام من العلاج المستمر في المركز.
ويقوم مركز بيسان في حي الموظفين بالقامشلي، بمعالجة حالات التوحد لدى الأطفال وحالات نقص الاكتساب العصبي الحركي، إضافة إلى معالجة الأطفال الذين يعانون صعوبات في التعلم والنطق وتقديم الاستشارات النفسية ومتلازمة داون.
ويستقبل المركز الأطفال المصابين بالتوحد على اختلاف أعمارهم ودرجات إصابتهم ويتم تسجيلهم ضمن المركز برسوم مالية تختلف من طفل إلى آخر، تصل إلى 100 ألف شهرياً، بحسب إدارة المركز.
وتُعرّف منظمة الصحة العالمية التوحد(autism) على أنه اضطراب في النمو اللغوي والسلوكي والانفعالي والتعبيري.
وتشير تقديرات المنظمة إلى أن شخصاً واحداً من كل 270 شخصاً يعاني من اضطرابات طيف التوحد. تمثل هذه التقديرات رقماً متوسطاً ويتفاوت معدل الانتشار بدرجة كبيرة بين الدراسات.
ومع ذلك، أفادت بعض الدراسات “المضبوطة جيداً”، بمعدلات أعلى بكثير. وما زال معدل انتشار اضطرابات طيف التوحد غير معروف في العديد من الدول ذات الدخل المنخفض والمتوسط، بحسب المنظمة.
ورغم تزايد أعداد المصابين به إلا أنه لايزال مجهولاً لنسبة كبيرة من السكان، كيفية التعامل مع المصابين به.
“أصبح طفلاً طبيعياً”
ومنذ افتتاح المركز عام 2018 تم تخريج خمس دفعات بعدد 110 أطفال خضعوا لجلسات وخطط علاجية في المركز، إضافة إلى الحالات التي كانت تعالج في جلسات نطق فردية، بحسب ماهر جعلو، مدير المركز.
ومن المقرر تخريج الدفعة السادسة خلال الأيام القليلة القادمة وسيكون الطفل محمد من بينهم.
وتروي “علي” قصة طفلها الذي لاحظت عليه وهو في عمر السنتين أنه غير طبيعي، “لم يكن يتكلم والتفاعل الاجتماعي لديه كان ضعيفاً جداً”.
وعرضت الأم طفلها على أطباء في القامشلي، ليتم تشخيص حالته في البداية بطيف التوحد، “وصف الطبيب له أدوية ولكن نعلم جميعاً أن التوحد لا يعالج بالأدوية”.
ولم تخفِ الأم انزعاجها من تنمر المجتمع على طفلها، “غالباً ما كانوا يقولون إنه مجنون ولن يتعالج”.
ولافتقار المنطقة لمراكز علاج التوحد، ذهبت “علي” بطفلها إلى إقليم كردستان العراق وسجلته في مركز لتلقي العلاج ولكن بعد افتتاح مركز بيسان عادت إلى القامشلي وسجلته في المركز الجديد حيث تم تشخيص حالته بالتوحد الكلاسيكي.
تشير “علي” إلى أن تحسن طفلها خلال الأشهر الستة الأولى كان بطيئاً جداً، “لكن بخطط علاجية ونظام غذائي من الأخصائية المشرفة على المركز عاد طفلي للمرحلة الطبيعة تدريجياً ووصل لمراحل متقدمة من التفاعل مع محيطه”.
ولا زالت الأم تتذكر مخاطبة طفلها لها لأول مرة وتقول بلهجتها المحلية، “بعد عامين من العلاج في المركز، دخل المنزل منادياً ماما بدي مي، كان شعوراً عظيماً”.
والأسبوع الماضي، عرضت الأم طفلها على طبيب مختص بأمراض التوحد في العاصمة دمشق، “أخبرني أن طفلي لم يعد لديه أي اضطراب توحدي، محمد أصبح طفلاً طبيعياً بفضل المركز”.
صعوبات
وبحسب منظمة الصحة العالمية، فإن المصابين بالتوحد يحتاجون إلى خدمات صحية ميسرة لتلبية احتياجات الرعاية الصحية العامة على غرار باقي السكان، بما في ذلك خدمات تعزيز الصحة والوقاية وعلاج الأمراض الحادة والمزمنة.
غير أن معدلات عدم تلبية احتياجات الرعاية الصحية للمصابين بالتوحد أعلى من المعدلات المسجلة لدى عامة السكان، بحسب المنظمة.
ويكون المصابون بالتوحد أشد ضعفاً في حالات الطوارئ الإنسانية، وتمثل المعرفة غير الكافية بشأن التوحد والمفاهيم الخاطئة لدى مقدمي الرعاية الصحية عائقاً شائعاً.
ويتلقى حالياً 100 طفل العلاج في المركز ويشرف على علاجهم 30 متدربة خضعن لدورات عن كيفية التعامل مع أطفال مصابين بالتوحد.
ويبدأ دوام الأطفال ضمن المركز من التاسعة صباحاً وحتى الواحدة ظهراً، وتختلف مدة علاجهم في المركز بحسب درجات إصابتهم ومدى استجابتهم للعلاج وتعاون الأهل.
ووفقاً لإدارة المركز فإنهم يعانون صعوبات في نقص التجهيزات التي تكون مكلفة وخاصة أنه مركز خاص وغير ممول من أي جهة ويعتمد على أقساط الأطفال لاستمرارية العمل.
وفي المقابل، هناك العديد من الأطفال يعانون من مرض التوحد، لكن صعوبة الوضع الاقتصادي لعائلاتهم يدفعهم لعدم متابعة وضعهم، إلى جانب الخشية من تنمر المحيطين بهم.
الخطة العلاجية
وتقول ميسم حصرية اختصاصية توحد وصعوبات تعلم واستشارات نفسية وتربوية ونقص اكتساب، إنهم يعتمدون في المركز على الآلية العلاجية حيث يتم تشخيص حالة الطفل في البداية.
وتشير الأخصائية إلى أنه بعد ذلك تبدأ مرحلة الاختبارات “التي يتم التعرف فيها على نقاط القوة ونقاط الضعف لدى الطفل والأشياء التي يعرفها ولا يعرفها، انتقالاً إلى الخطة العلاجية حيث يتم وضع خطة علاج فردية لكل طفل”.
ووفقاً لما ذكرته “حصرية” فإن المتدربات ينفذن الخطط العلاجية، التي تقوم هي بإعدادها، وذلك بناء على حالة كل طفل ومن ثم يتم تقييم الخطة في نهاية كل شهر عن طريق الإشراف التربوي الذي يكون مسؤولاً عن عمل المدربات.
وتبعاً لتقرير حالة الطفل تتغير المهارات والخطط العلاجية، ليصل الطفل في النهاية إلى مرحلة الدمج حيث يتم دمجه مع أطفال طبيعيين حتى يتم معرفة مدى استجابة الطفل وهل هو مؤهل أن يخالط المجتمع بشكل كامل أم لا.
وتشير “حصرية” إلى أن الهدف الأساسي من علاج الأطفال المصابين بالتوحد في المركز، الوصول بهم إلى مرحلة أن يكونوا طبيعيين.
“فالمركز هو علاجي يعتمد في خططه على شقين أساسيين وهما العلاج الغذائي الذي يحدد الهدف والعلاج الوظيفي الذي يتم فيه إيصال الطفل إلى مرحلة الطفل الطبيعي”.