إدلب– نورث برس
تقصد رويدة الشحنة (35 عاماً) وهو اسم مستعار لنازحة في مخيمات دير حسان الحدودية شمال إدلب شمال غربي سوريا، صباح كل يوم برفقة أطفالها الثلاثة، الأحراش والأراضي الزراعية في المنطقة لجمع الحطب للتدفئة.
وهذا العام، عجزت النازحة التي تنحدر من مدينة معرة النعمان، جنوب إدلب عن شراء مازوت التدفئة أو الحطب وغيرها من وسائل التدفئة، بسبب ارتفاع أسعارها التي تفوق دخلها اليومي، وخاصة أنها المعيلة الوحيدة لعائلتها بعد فقدان زوجها لحياته العام الماضي بفيروس كورونا.
وتعمل السيدة الثلاثينية في ورشة صناعة الصابون اليدوي وتتقاضى مبلغ 35 ليرة تركية (نحو تسعة آلاف ليرة سورية) يومياً، “وهو مبلغ لا يكاد يكفي ثمن الخبز وبعض الخضراوات”.
ويومياً، تجمع “الشحنة” قرابة 15 كيلوغرام من الحطب معتمدة على خبرتها في تقليم الأشجار، في استغناء تام عن المازوت.
ومع ارتفاع أسعار مواد التدفئة في إدلب، تلجأ نساء نازحات فقدن معيلهن للتحطيب من الأحراش والأراضي الزراعية لاستخدام الحطب وأغصان الأشجار في التدفئة.
وتبرر هؤلاء النسوة التحطيب بأنهن يقمن بجمع الأغصان اليابسة دون الاقتراب من الأغصان الخضراء، وسط مخاوف من تحول الغابات الحراجية في إدلب إلى صخور جرداء بسبب التحطيب العشوائي.
ورغم أن بعض السكان كانوا يعتمدون منذ القديم على قطع الأشجار للتدفئة أو للحصول على دخل منها، إلا أن الأمر ازداد خلال العامين الماضيين.
أسعار لا تناسب الدخل
ووصل سعر برميل المازوت المكرر بدائياً إلى نحو 130 دولاراً (470 ألف ليرة سورية)، فيما سجّل سعر برميل المازوت الأوروبي والذي تستورده شركة “وتد للبترول”، 190 دولاراً (ما يعادل 685 ألف ليرة سورية).
ويتراوح سعر الطن الواحد من حطب أشجار الزيتون الذي ينتشر بكثرة في مناطق شمال غربي سوريا، بين 150 و 175 دولاراً أميركياً، وبين 125 دولاراً إلى 150 دولاراً أميركياً لأنواع أخرى كالسنديان واللوز. وتفوق هذه الأسعار القدرة الشرائية لغالبية العائلات النازحين في المخيمات.
وتحتكر “وتد”، التي أنشأتها حكومة الإنقاذ الجناح المدني لهيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) قبل أكثر من عامين، استيراد المحروقات إلى إدلب التي تخضع بشكلٍ شبه كامل لسيطرة الهيئة، إضافةً إلى أجزاء من ريفي حلب وحماة.
وترفع الشركة بين فترة وأخرى أسعار المشتقات النفطية بسبب انهيار قيمة الليرة التركية أمام الدولار الأميركي.
وتعتمدسعاد العدل (45 عاماً) وهو اسم مستعار لسيدة من مدينة الدانا شمال إدلب، على ما يجمعه أطفالها من الحطب في التدفئة وذلك بعدما عجزت هي الأخرى عن شراء المازوت أو حتى قشور الفستق الحلبي التي اعتمدت عليها بداية فصل الشتاء.
وتقول السيدة الأربعينية إن غلاء أسعار قشور الفستق من 1.5 ليرة تركية إلى ثلاث ليرات تركية دفعها لخيار التحطيب.
“لا رقيب ولا حسيب“
وعلى مقربة من الأحراش الغربية بمدينة معرة مصرين شمال إدلب، تعمل غدير عرفات (33 عاماً) وهو اسم مستعار لنازحة على جمع الحطب التي اتخذت منها مهنة تساعدها على تدبر أمورها المعيشية.
وتقول النازحة التي تنحدر من مدينة معرة النعمان، إنها تجمع قرابة 40 كيلوغرام من أنواع الحطب كالسنديان والصنوبر والبلوط وغيرها، حيث تعمد إلى بيعها في أحد مراكز بيع حطب التدفئة وبأسعار تصفها بالجيدة.
وتبيع “عرفات” الكيلوغرام الواحد من حطب التدفئة بـ 1.5 ليرة تركية (400 ليرة سورية)، حيث تحصل على مبلغ يتراوح بين 50 و70 ليرة تركية من عملها يومياً.
وتعيل “عرفات” أطفالها الأربعة بعد وفاة زوجها برصاص حرس الحدود التركي أثناء محاولته دخول الأراضي التركية بطريقة غير شرعية.
وتشير “عرفات” إلى أنها تتعرض لمضايقات وتهديد بالسجن من قبل عناصر حكومة الإنقاذ بسبب عملها في التحطيب.
ووفقاً لقولها فإن هؤلاء العناصر يعملون على قطع أشجار الأحراش وبيعها، في حين يمنعون السكان من ذلك.
وبحسب لتجار حطب فإن هيئة تحرير الشام تجبر التجار الصغار على بيع حطبهم لآخرين منحتهم أذونات عمل في التحطيب مقابل نسبة من الأرباح، وذلك بذريعة منع إدخال الحطب الأخضر.
وتشدد “عرفات” هي الأخرى إلى أنها تجمع الأغصان اليابسة دون الاقتراب من الأغصان الخضراء، “على عكس عناصر الهيئة الذين
يعملون على قطع أشجار الأحراش وبيعها دون رقيب أو حسيب”.