دمشق- نورث برس
تفاجأت رند الجاسم (26 عاماً) وهي سيدة تسكن في عشوائية حي الورود شمال دمشق، باستبعادها من الدعم عبر البطاقة الذكية، “بحجة” أن زوجها مغترب منذ أكثر من عام وبإمكانها شراء المواد الأساسية بسعرها الأصلي.
تقول الأم المعيلة لطفلين، “نحن من ذوي الدخل المحدود وأكثر الناس بحاجة للدعم الحكومي”.
وتتساءل: “هل من المعقول أن يُرفع الدعم عن رب أسرة مسافر ومغترب، وعلى أي أساس تم رفع الدعم عن عائلة لا تمتلك منزلاً؟”.
ومنذ عام، سافر زوج “الجاسم” إلى إقليم كردستان العراق بعد أن ضاقت بهم الأحوال الاقتصادية ويعمل حالياً في مطعم بمدينة هولير، ولكنها عاجزة عن اللحاق به، “بسبب التكاليف الباهظة للسفر والفيزا”.
وبعملية حسابية بسيطة تعبر عن استياءها، “إذا قمتُ بشراء ربطة الخبز يومياً بـ1300 ليرة سورية، سيكلفني ما يعادل 39 ألف ليرة شهرياً”.
والاثنين الماضي، استبعدت الحكومة السورية، الدعم عن آلاف العائلات المستفيدة من برنامج “وين” المخصص للبطاقات الذكية.
ويشمل قرار الاستبعاد حوالي 596 ألفاً و628 عائلة تحمل البطاقة الذكية، بنسبة تصل إلى حوالي 15% من الأسر التي يصلها الدعم، لكن الأرقام تشير إلى أنها تزيد عن 21%.
وقالت معاونة وزير الاتصالات لشؤون التحول الرقمي المهندسة، فاديا سليمان، في تصريح لإذاعة محلية، إن رفع الدعم سيكون عن الفئات ذات الدخل الأعلى والقادرة على إعالة نفسها، والمعايير التي وضعت هي الملكية والثروة من جهة والدخل من جهة ثانية.
وأضافت: “سيتم توجيه الدعم الحكومي إلى الفئات الأكثر هشاشة، بهدف تصويب الدعم وإيصاله إلى مستحقيه”.
حجج واهية
وفي العاشر من كانون الثاني/ يناير الفائت، أعلن وزير الداخلية وحماية المستهلك في الحكومة السورية، عمرو سالم، عن فئات سيتم رفع دعم البطاقة الذكية عنها، “على اعتبار هذه الفئات قادرة على شراء المواد بشكل حرّ”.
وقال خلال مؤتمرٍ صحفيّ في دمشق، إن المستهدَفين هم الشركاء في المستشفيات الخاصة، وأصحاب المدارس الخاصة، والمساهمون في سوق دمشق للأوراق المالية، والمسافرون الذين لم يدخلوا إلى سوريا منذ حوالي عام واحد.
وسيُرفع دعم مادة البنزين عن أصحاب السيارات التي تتجاوز سعة محركها 1500، وسنة صنعها بعد العام 2008، باستثناء المتقاعدين والموظفين والعسكريين، بحسب “سالم”.
ولاقى القرار استياءً شعبياً واسعاً في كافة مناطق سيطرة الحكومة السورية ولا سيما في ظل تدهور الأوضاع المعيشية وعجز الحكومة عن تأمين متطلبات السكان، بحسب شهادات.
وتضيف “الجاسم” أن قرار رفع الدعم “يحملنا المزيد من الأعباء ويزيد مصيبتنا”.
وفي إشارة إلى لا منطقية القرار، تزيد “الجاسم” على ذلك: “كان بإمكانهم محاسبة الفاسدين الذين يتحكمون بأسعار المواد الأساسية ويبيعونها بالحر وليس رفع الدعم عن المحتاجين بحجج واهية”.
والبطاقة الذكية، هي مشروع تنفذه شركة تكامل، وتطورت عبر عدة مراحل، أولاها في تموز/ يوليو 2014 وتركزت حينها بالآليات الحكومية، والمرحلة الثانية في 2016 للآليات الخاصة.
بينما انطلقت المرحلة الثالثة في عام 2017 لتوزيع مازوت التدفئة للعائلات.
وفي المرحلة الرابعة في شباط / فبراير2020، أضيف إليها المواد الغذائية المدعومة (الأرز والسكر والشاي)، وفي شهر نيسان/ أبريل من نفس العام، أضيف الخبز أيضاً إلى البطاقة.
“متاجرة بقلمة المواطن”
ويحصل الشخص على البطاقة الذكية عبر تقديم الأوراق الرسمية المطلوبة في محافظته، ويتم دفع قيمة الكميات المعبأة بشكل نقدي في مراكز الخدمة المحددة.
ويرى ماجد الوديع (45 عاماً) أن قرار رفع الدعم مثله مثل جميع القرارات الحكومية السابقة تفضي إلى نتيجة واحدة، “وهي إفلاس الحكومة ومتاجرتها بلقمة عيش المواطن البسيط الذي لا يملك من أمر نفسه شيئاً”.
واستبعد “الوديع” الذي يعمل منذ ثلاثة أعوام في توصيل الطلبات والوجبات السريعة في مطعم بدمشق من الدعم عبر البطاقة الذكية، بسبب امتلاكه سيارة.
وبتهكم يقول الرجل الأربعيني: “سيارتي القديمة التي أعمل عليها ليلاً ونهاراً في توصيل طلبات الزبائن، الآن أصبحت دليل رفاهية في سوريا”.
وأضاف: “فأنا في نظر الحكومة شخص غني وأستطيع شراء الغاز الحر بـ30 ألف وغيرها من المواد بأسعار سياحية”.
وبحسب القرار الحكومي، فإن كل بطاقة ذكية استبعدت من الدعم ستشتري ربطة الخبز بـ1300 ليرة سورية بدلاً من 200 ليرة وليتر المازوت بـ1700 ليرة بدلاً من 500 ليرة.
فيما ستشتري ليتر البنزين بـ2500 ليرة بدلاً من 2100 ليرة وأسطوانة الغاز بـ30600 ليرة بدلاً من 10500.
ويقول سكان التقت بهم نورث برس، إن القرار غير مدروس ويظهر الفوارق الطبقية “بشكل مسيء”، وخاصة أن الجميع ليس لديه نفس الدخل اليومي ونفس الظروف الصحية والإنسانية، وأنه من غير الإنصاف مقارنة أصحاب المليارات بشخص يملك سيارة أو منزلاً.
مدعوم وغير مدعوم
ويرى خبراء في المجال الاقتصادي، أن قرار استبعاد بعض الفئات، سوف يحقق للدولة آلاف المليارات والتي من المفترض أن يعاد توجيهها إلى مستحقيها سواء عن طريق زيادة الرواتب أو طرق أخرى.
وقالت الشركة السورية لتخزين وتوزيع المواد البترولية، الثلاثاء الماضي، في تصريح لوكالة “سانا” التي تديرها الحكومة السورية، إن إجمالي التخفيف من العجز في المشتقات النفطية سنوياً للبطاقات المستبعدة يبلغ أكثر من ألف مليار ليرة سورية.
ويسأل “الوديع” نفسه، “ماذا عن راتبي الذي لا يتجاوز 200 ألف ليرة سورية والذي أصرفه كله مع الاستدانة من بعض المعارف في آخر كل شهر على البنزين وثمن أدوية أمي ومصروف أطفالي الثلاثة؟”.
وبلغة لا تخلو من الغضب يتساءل مرة أخرى، “على أي أساس تم التقييم واستبعاد عائلات من الدعم، وكيف يتم مقارنة سيارتي التي اشتريتها بالتقسيط على مدار خمسة أعوام مع أغنياء يمتلكون سيارات وعقارات ورصيداً بالبنك؟”.
وعلى ما يبدو، فإن أكثر ما أثار حفيظته هو رفع الدعم عن الخبز، “ألم يعلنوا قبل مدة أن الخبز خط أحمر وأنه لن يُرفع عنه الدعم في أي حال من الأحوال!”.
ويتساءل عامل توصيل الطلبات، “ألا تكفينا كل الطائفية والانقسامات في البلد منذ سنوات، لتأتي الحكومة وتقسم الشعب أكثر بين مدعوم وغير مدعوم”.
ويردد دعاءً تم تداوله على مواقع التواصل الاجتماعي، بغرض السخرية من القرار الحكومي، “اللهم اجعلنا من السعداء المدعومين ولا تجعلنا من الأشقياء المستبعدين”.