خورشيد دلي
وفق العرف السياسي المتبع في العراق منذ عام 2005، فإن منصب رئيس الجمهورية هو من نصيب الكرد، والبرلمان للسنة، والحكومة للشيعة، ووفق اتفاق التحالف الاستراتيجي بين الحزب الديمقراطي الكردستاني برئاسة مسعود البرزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني برئاسة بافل الطالباني، فإن منصب رئيس العراق هو من نصيب الاتحاد، بينما منصب رئيس الإقليم هو من نصيب الديمقراطي، وعلى هذا الأساس، شغل منصب رئيس العراق منذ عام 2006، كل من الراحلين جلال الطالباني وفؤاد معصوم على التوالي، ومن ثم الرئيس الحالي برهم صالح، فيما شغل منصب رئيس الإقليم كل من الرئيس مسعود البرازني ومن بعده نيجيرفان البرزاني.
ورغم هذا العرف والاتفاق إلا أن الانقسام كان سمة دائمة للموقف الكردي إزاء هذا الاستحقاق، ولعل الانقسام الحاصل حالياً بشأن المرشح الكردي لرئاسة العراق خلال الدورة المقبلة هو استمرار للانقسام الذي حصل عام 2018 بشأن نفس الاستحقاق، وهو ما يؤكد أن الانقسام المزمن بين الحزبين الكردستانيين الكبيريين له أبعاد إدارية وتنظيمية وحزبية في إطار التنافس على السلطة والإدارة والزعامة، وهو ما تجسد عملياً في بقاء كل من السليمانية التي هي معقل للاتحاد وأربيل التي هي معقل الديمقراطي، مركزين إداريين وتنظيميين وسياسيين وأمنيين طول العقود الماضية، دون التمكن من إنتاج مركزية توحد الإداراتين في الإقليم لمواجهة الاستحقاقات أولاً، ولإنتاج عملية سياسية موحدة إدارياً وسياسياً ثانياً.
مع كل استحقاق رئاسي، تنطلق حرب الاتهامات المتبادلة بين الطرفين، يقول أنصار الديمقراطي إن الاتحاد يقدم مرشحيه خارج التوافق الكردي، وخلافاً للأعراف المتبعة، فيما الاتحاد يوجه نفس التهمة للديمقراطي، وفي كل مناسبة أيضا يقول الديمقراطي إن هذا المنصب من حق الديمقراطي، طالما أنه يشكل الكتلة الكردية الأكبر في البرلمان، فيما الاتحاد يرد بأن اتفاق التحالف الاستراتيجي أقر بأن المنصب المذكور من حقه، وأن أي خلاف لما سبق يعني تبديل المناصب بين الحزبين على منصبي رئاستي الجمهورية والإقليم.
يقول الديمقراطي إن المعادلات تغيرت مع تزايد شعبيته وتراجع الاتحاد بعد رحيل زعيمه التاريخي جلال الطالباني، فيرد الاتحاد بأن الديمقراطي جل ما يسعى إليه هو إطباق سيطرته على كامل الإقليم لصالح حكم العائلة، وفي ظل هذا الجدل سرعان ما تحضر نظريات الخيانة والمؤامرة، وربط الأمور بالأحداث التي جرت للإقليم خلال السنوات الماضية، لاسيما خسارة كركوك عقب الاستفتاء.
في الواقع، إذا كانت قضية انتخاب رئيس للعراق، أبرزت على الدوام عمق الانقسام الكردي – الكردي، وتمترس كل طرف خلف مرجعياته الحزبية والمناطقية والعائلية، وممارسة كل طرف الندية تجاه الآخر، انطلاقاً من تلك المرجعيات والمحددات، فإن الغائب الأكبر في الجدل الجاري بين أنصار الطرفين، هو كيفية فهم موقع الرئاسة العراقية في التقاطعات والتجاذبات والصراعات الإقليمية والدولية على العراق.
ولعل الثابت هنا، هو أن انتخاب رئيس جديد للعراق ليس ببعيد عن التوافقات المحلية الإقليمية والدولية، وهو ما يضعنا أمام مؤشرين أو احتمالين أساسيين.
الأول: احتمال فوز برهم صالح رئيساً لفترة جديدة، انطلاقاً من أن الرجل يحظى بدعم أحزاب الإطار التنسيقي (الشيعي)، فضلاً عن علاقته الجيدة بإيران التي تنظر إلى البرزاني كحليف لتركيا ولأميركا، ويبقى بنظرها صالح الأقرب إلى الاستراتيجية الإيرانية في العراق.
الثاني: احتمال فوز مرشح الديمقراطي هوشيار زبياري، على اعتبار أنه محل توافق بين القوى الثلاثة الكبرى الفائزة في الانتخابات، أي مقتدى الصدر ومسعود البرزاني ومحمد الحلبوسي، خاصة أن دعم الأخير له واضح بعد أن رفض الاتحاد التصويت في البرلمان لانتخاب الحلبوسي رئيساً له.
خلافاً لهذين الاحتمالين، ثمة من يرى أن الانقسام الحالي ليس بجديد، وأن هذا الانقسام أصبح جزءاً من قواعد اللعبة السياسية بين الحزبين بغية حصول كل طرف على أكبر قدر من المكاسب والامتيازات، لكن مثل هذا الاعتقاد لا يلغي احتمال السيناريو الأخطر في الانقسام الكردي – الكردي الجاري، مع تلميح كل طرف إلى احتمال مقاطعة الآخر، وهو ما قد يعمق من الانقسام الكردي في الفترة المقبلة إلى حد المقاطعة بين إدارتي السليمانية وأربيل إن لم نقل الصدام بينهما كما حصل في فترات سابقة، أو على الأقل تحويل إدارة الإقليم إلى إدارتين منفصلتين على أرض الواقع، بما يعمق كل ذلك من معضلة الكرد الدائمة، أي الانقسام الكفيل بوأد طموحاتهم وتطلعاتهم القومية رغم الظروف والمتغيرات التي خدمت قضيتهم، ولعل هذه باتت قاعدة كردية تتجاوز إقليم كردستان العراق إلى باقي الأجزاء الكردستانية.