لافتات محلات نازحين في الرقة تنسب لمدنهم

الرقة – نورث برس

قرر طارق الفياض (٤٨ عاماً) وهو نازح من مدينة دير الزور إلى الرقة، شمالي سوريا، أن يجذب زبائنه من أبناء مدينته إلى محله التجاري عبر تسمية المحل نسبةً لمدينته.

ونزح “الفياض” من مدينة دير الزور منذ نحو أربع سنوات بعد سيطرة حكومة دمشق على أحياء المدينة، ليفتح محله باسم “الديري” بالقرب من دوار الدلة وسط مدينة الرقة.

ويعمل الرجل الأربعيني في بيع المواد والسلع الغذائية من (بهارات- أرز- زيوت- وبقوليات)، منذ نحو ٢٠ سنة.

وتنتشر في مدينة الرقة محلات نازحين يعملون في التجارة، ويسمون محالهم التجارية نسبةً لمدنهم التي نزحوا منها بعد سيطرة الفصائل المسلحة الموالية لتركيا على شمال غربي سوريا، إضافة لسيطرة حكومة دمشق على مناطق أخرى.

ويقول “الفياض” لنورث برس، إنه بعد سيطرة حكومة دمشق وفصائل تابعة لإيران على دير الزور، انتقل إلى مدينة الباب في ريف حلب الشرقي، والتي تخضع لسيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة الموالية لها.

ولكنه لم يكن قادراً على الاستقرار ومتابعة تجارته في محله، بسبب الوضع الأمني في ريف حلب، وفرض فصائل معارضة ضرائب بشكل دائم على السلع الغذائية في محله، بحسب قوله.

ويضيف، أنه لم يكن لديه وجهة أخرى ومدينة أكثر أمناً واستقراراً سوى الرقة، لنشاط حركة البيع والشراء فيها، والاستقرار والأمن الذي أصبح بمثابة “شيء يبحث عنه الجميع”.

“يذكرني بأهلي ومدينتي”

وفي عام 2020، بلغ عدد النازحين في مدينة الرقة 115 ألف نازح من أصل سكان مدينة الرقة الذي بلغ عددهم 935 ألف نسمة، يسكن 432 ألفاً في المدينة و508 آلاف في الريف، بحسب مكتب الإحصاء في مجلس الرقة المدني.

ويصف “الفياض” محله بلهجته المحلية قائلاً: “سميت الاسم انتماءً لمدينتي يلي تركت كل ذكرياتي فيها، وليكون علامة للنازحين الديريين ليعرفوا محلي ويصير دليل إلهم”.

ويقول محمد المكنى بـ أبو أمير (٢٩ عاماً) وهو نازح من مدينة دمشق يسكن في الرقة ويعمل في مطعم لبيع الفلافل والفول، إنني تعلمت المهنة في دمشق وترعرعت فيها لذا سميت اسم المحل بـ “الدمشقي”.

وتسمية المحل بهذا الاسم كانت ملفةً للنظر، وعنواناً كافياً لمرور أغلب نازحي مدينتي في الرقة لشراء وجبات، والتردد مرة أخرى إليه نظراً للطريقة الدمشقية التي تستخدم لتجهيز الوجبات، بحسب وصف “أبو أمير”.

واختار “أبو أمير” مدينة الرقة للنزوح إليها بعد تدهور الأوضاع الأمنية في مناطق سيطرة الحكومة السورية وطلبه للخدمة الإلزامية، قبل أربع سنوات.

ويشير إلى أن فترة إقامته في مدينة دمشق وقضاء أجمل أوقاته بها من ناحية العمل وحنينه لعائلته، دفعه لتسمية محله بهذا الاسم للحب الذي يكنه لمدينته بداخله وتذكر أسعد لحظاته بقرب عائلته.

ويصف “أبو أمير” بلهجته المحلية قائلاً: “في كتير شوام (دمشقيين) بالرقة، ويترددوا عالمحل بس يشوفوا اسموا وهذا لحالوا يكفي، وبس شوف حدا من الشام بتذكر أهلي ومدينتي، اللي كانت الحرب سبب لتفرقني عنهم”.

جذب أبناء المدينة

بينما يرى محمد أبو الخير ( ٤٢ عاماً) وهو نازح من مدينة إدلب إلى الطبقة وإقامته فيها أربع سنوات، ليستقر به المقام منذ عام في الرقة، إن تسمية محله بـ “إدلب الخضراء” (يقع بالقرب من حديقة الرشيد وسط المدينة) سببُ لـ”لم شمل نازحي إدلب المتواجدين في الرقة”.

وعند تسمية المحل بهذا الاسم يزوره كل من أبناء الرقة وإدلب، لاشتهار إدلب وخاصةٍ أريحا بصناعة الحلويات، بحسب وصفه.

ونزح أبو الخير من إدلب بعد سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) على المدينة، وتقييد حركة العمل بالمدينة والضرائب المفروضة على المحلات التجارية والقصف المتكرر للمنطقة من الطيران الروسي وقوات الحكومة السورية.

وأشار إلى أن منذ قدومه إلى الرقة ومباشرة عمله في المحل لم يواجه أي مشاكل من أبناء الرقة، وكان لتسمية محله بهذا الاسم خير دليل له، لانتمائه لمدينته وفخراً بها.

وبحسب تقرير لمفوضية الأمم المتحددة لشؤون اللاجئين إن الوضع في سوريا استمر في إحداث أكبر أزمة نزوح في العالم خلال العام 2020، مع نزوح أكثر من 6.7 مليون سوري داخل البلاد، في حين وصل عدد اللاجئين خارج البلاد إلى 5.5 مليون سوري.

ويقول محمد العمر (٣٦ عاماً) وهو من سكان مدينة الرقة، إن تسمية محلات الوافدين بأسماء مدنهم شيء طبيعي لمعاصرة فترات شبابهم وذكرياتهم بمدنهم التي تخضع لسيطرة جهات مختلفة من فصائل وقوات الحكومة السورية.

وتعتبر مدينة الرقة ذات طابع عشائري وعادات وتقاليد معروفة بالمنطقة، مما أثر سابقاً على وجود نزعات عشائرية بين أبناء العشائر من الرقة والوافدين إليها، لكن انخفضت بتدخلات الوجهاء دون مضايقات، بحسب “العمر”.

ويضيف لنورث برس، أن سياسات الجهات المسيطرة على المدن الأخرى، دفعت أبناء تلك المدن للتوجه إلى الرقة بحثاً عن الاستقرار والأمان وحركة العمل المستمرة.

إعداد: عمار حيدر- تحرير: زانا العلي