أزمة كهرباء ومازوت مستمرة والحطب وسيلة سكان دمشق في مواجهة البرد

دمشق- نورث برس

يجلس الزوجان دجوار حميد (45 عاماً) وشيرين محمد (36 عاماً) وهما من سكان حي ركن الدين شمال دمشق، في زاوية المنزل ويتمعنان في أبنائهما الأربعة المجتمعين حول مدفأة الحطب بعد أن تركا لهم المجال لتدفئة أنفسهم.

اضطر الرجل الأربعيني الذي يعمل بمهنة الدهان كعامل في ورشة بمنطقته، لشراء مدفأة حطب كوسيلة للتدفئة في أيام الشتاء الباردة رغم مخاطرها ومساوئها على حياته وأطفاله بعد أن أنفق مخصصاته من المازوت.

ويلجأ سكان دمشق من ذوي الدخل المحدود، إلى استخدام وسائل تدفئة بدائية مثل مدفأة الحطب وموقد الكحول والفحم الحجري، في ظل عدم كفاية مازوت التدفئة المخصصة لهم والتقنين الكهربائي الطويل.

وفي الرابع والعشرين من هذا الشهر، أعلنت وزارة الكهرباء السورية عن توحيد ساعات التقنين الكهربائي في جميع المحافظات التابعة لها.

وأشارت الوزارة إلى، أن عدد ساعات قطع التيار الكهربائي ستصبح خمس ساعات مقابل ساعة وصل واحدة في جميع المحافظات، مستثنية محافظة دمشق من القرار حيث ستزود بساعتين وصل وخمسة قطع.

وقال وزير الكهرباء غسان الزامل، لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية، إن هذا الوفر في التيار الكهربائي، جاء نتيجة تعطيل الدوائر الحكومية وبرنامج التقنين الصناعي على مختلف المحافظات والمناطق.

وفي إشارة واضحة إلى عجز الحكومة عن وضع برنامج تقنين ثابت خلال الفترة الحالية، أضاف الوزير أن حجم الكهرباء الموفر لا يمكن من خلاله تقنين ثلاث ساعات وصل مقابل أربع ساعات قطع، ولا حتى ساعتين وصل مقابل أربعة قطع.

 وبرر ذلك، “بزيادة الطلب على التيار الكهربائي نحو 300 في المئة بسبب برودة الطقس.

“موت بطيء”

ويشكك سكان دمشق بالقرار الحكومي، الذي تحدث عن تحسين برنامج التقنين الذي يشهد ذروته في الوقت الراهن، حيث تصل ساعات التقنين فيها إلى 20 ساعة قطع، مقابل أربعة وصل.

ويعيش السكان ظروفاً صعبة جراء موجة البرد القارس التي شهدتها سوريا خلال الأسبوعيين الماضيين، بعد أن انخفضت درجات الحرارة في بعض المناطق إلى 4 درجات مئوية تحت الصفر.

وطالت الحكومة السورية العاجزة عن حل معضلة الكهرباء والمحروقات منذ عدة سنوات، انتقادات نتيجة الأوضاع “المزرية” التي يعيشها السكان.

ويقول “حميد” الذي ظهرت على وجهه معالم الحزن بلهجة غاضبة، “لم نعد نريد الكهرباء أو المازوت”.

ويضيف العامل، الذي أتعبه هذا الحال كغيره من السوريين، “من المعيب أن الحكومة على مدى عشرة أعوام لم تستطع حل مشكلة الكهرباء”.

ويشبه “حميد” انتظاره للكهرباء هو وعائلته بشكل يومي حتى يتمكنوا من طهي الطعام أو الاستحمام أو حتى استقبال ضيوف بـ “الموت البطيء”.

ويشتكي الزوجان من تدني المستوى الدراسي لأبنائهما مؤخراً، ويرجعان السبب إلى عدم قدرتهم على التركيز في هذه الأجواء الباردة، ففي كثير من الليالي لا يستطيعون النوم بسبب البرد الشديد، بحسب قولهما.

ويعلق العامل على برنامج التقنين: “الدول تحتفل وتفتخر بتطورها، بينما نحن ما زلنا نركز على الماضي ونتباهى به ونسينا حاضرنا المر”.

“حياة مشلولة”

وفي شباط/ فبراير 2021، أعلنت وزارة الداخلية وحماية المستهلك عن تخفيض مخصصات السكان من مازوت التدفئة بمقدار النصف لتصبح 100 ليتر بدل 200 ليتر، توزع على دفعتين، كل دفعة 50 ليتراً.

وفي تموز/ يوليو الماضي، رفعت الوزارة، سعر ليتر المازوت المدعوم من 180 إلى 500 ليرة وغير المدعوم من 2400 إلى 3500 ليرة.

وبحسب بعض المراقبين، فإن استهلاك العائلة الواحدة، يصل إلى 400 ليتر خلال فصل الشتاء، في حين تخصص الحكومة السورية 100 ليتر فقط.

وتبرر الحكومة السورية تفاقم أزمة المحروقات، بفقدان سيطرتها على العديد من حقول النفط الكبرى، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية المفروضة عليها أميركياً وأوروبياً.

وكانت هناء محمد (47 عاماً) وهي من سكان ركن الدين، تعتمد سابقاً على مولدتها القديمة لتوليد الطاقة، لكن طول فترات انقطاع الكهرباء النظامية، تسبب بعطلها “لأنها كانت تعمل أكثر من طاقتها”.

وعجزت المرأة الأربعينية عن شراء مولدة كهربائية جديدة، “نظراً لسعرها الباهظ إضافة إلى عدم توفر المازوت وصعوبة تأمينه”.

وتعبر هي الأخرى عن معاناتها من الانقطاع المستمر للكهرباء، ” نحن غارقون في الظلام منذ سنوات، نعاني الحر في الصيف والبرد في الشتاء، الحياة هنا أصبحت مشلولة بشكل كامل”.

“وضع مزري”

وتسعى “محمد” منذ فترة إلى السفر إلى النمسا، لكنها عاجزة عن ذلك بسبب تكاليف السفر الباهظة وطرق التهريب غير الآمنة، “سئمت الحياة في سوريا ولو أمكنني اليوم الهجرة لفعلت لأن أي مكان خارج سوريا أرحم من العيش هنا”.

وتضيف السيدة وهي أم لثلاثة أبناء: “في الماضي كنا قد اعتدنا على التقنين لساعات محدودة، اليوم نحن أمام اختفاء الكهرباء وحجج الحكومة كثيرة ولا تنتهي”.

وتعتمد كما سابقها على مدفأة الحطب كوسيلة للتدفئة رغم تخوفها من أن يتسبب بإحداث حريق أو اختناق لأبنائها.

والأسبوع الماضي، رمت “محمد” الأجبان والألبان والمؤونة التي خزنتها مع بداية الشتاء، بعد تلفها بسبب الانقطاع الدائم للكهرباء، ما كبدها خسائر وصلت لمليون ليرة سورية، بحسب قولها.

وتشير السيدة إلى أنها لم تستحم منذ أكثر من أسبوع “فانقطاع الكهرباء تسبب كذلك بانقطاع المياه، نستيقظ لا نجد كهرباء ولا ماء كي نستحم”.

وتصف “محمد” الوضع الحالي وما تعانيه بـ “المزري”.

وتتحسر على حال أبنائها: “أبنائي محرومون من أبسط حقوقهم في هذا البلد، فهم لا يستطيعون القيام بواجباتهم المدرسية أو النوم أو مشاهدة التلفاز أو حتى الاستحمام كما يجب”.

وتتساءل: “لا أعلم إلى متى سيستمر استهتار المسؤولين بما نعانيه؟”.

وفي إشارة واضحة إلى فساد المسؤولين في الحكومة،  تقول السيدة الأربعينية: “لديهم مولدات ولا يشعرون بأزمة الكهرباء التي نمر بها، فبعضهم يملك أكثر من مولد، المازوت متوفر عندهم”.

إعداد: ياسمين علي- تحرير: سوزدار محمد