تجاهل حكومي لترميم سوق تراثي تضرر في الحرب

حلب- نورث برس

يبيع علي قصاب (50 عاماً) في مطعمه الواقع في منتصف سوق العتمة بمدينة حلب القديمة، اللحوم دون تقديم الوجبات الجاهزة كما كان الحال سابقاً، فوجود محال مدمرة بجواره وأخرى تحولت لمكب نفايات وتراكمٍ للأنقاض يصعّب على الزبائن الدخول إلى المطعم وتناول الطعام.

وقبل عامين، عمل الرجل الخمسيني على ترميم وتأهيل مطعمه الذي تركه أثناء دخول مسلحي المعارضة لحي العقبة نهاية 2012.

 ويقول “قصاب” وغيره من أصحاب المحلات التجارية في السوق، إن المسؤولين الحكوميين يتجاهلون ترميم السوق وإعادة تأهيل المحلات المتضررة والمدمرة وترحيل الأنقاض والقمامة المتراكمة، على الرغم من مرور أعوام على سيطرة القوات الحكومية عليه.

ويقع سوق العتمة المسقوف بالصفائح المعدنية بداية حارات حلب القديمة وهو أحد طرق الدخول إلى المدينة القديمة من حي العقبة، ويعد من أسواق مركز المدينة.

 سوق العتمة المسقوف في مدينة حلب
سوق العتمة المسقوف في مدينة حلب

وقبل الحرب السورية، كان السوق يضم أكثر من 80 محلاً لبيع المواد الغذائية واللحوم والأسماك ومشتقات الألبان والأجبان والزيتون، وكان يشهد ازدحاماً كبيراً من قبل السكان الذين كانوا يرتادونه من كافة الأحياء القديمة لتأمين احتياجاتهم.

ولكن حالياً لا يتجاوز عدد المحال التجارية التي تعمل، العشرة، وما تبقى من السوق منها المدمر ومنها التي غاب عنها أصحابها، وتحولت بعضها إلى مجمع للنفايات والأنقاض.

وفي 2012 سيطرت فصائل المعارضة المسلحة على الأحياء القديمة من حلب، وتعرض السوق كما جميع أسواقها القديمة إلى دمار كبير بسبب الاشتباكات التي اندلعت بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة.

وفي شباط/فبراير  عام 2017، دخلت القوات الحكومية أحياء حلب القديمة، ولم يغير ذلك إلى اليوم من شيء في الواقع الخدمي في تلك المناطق.

أسواق بعيدة عن السكان

وفي معظم أحياء حلب القديمة لا زالت مشاهد الدمار تطغى على المكان، فالأحياء التراثية والأثرية التي تلتف حول قلعتها التاريخية لا يزال الركام وبقايا الأبنية المدمرة تملء شوارعها وأزقتها الضيقة.

وكان لمدينة حلب النصيب الأكبر من الدمار في الحرب السورية، وفق أطلس نشره معهد الأمم المتحدة للبحث والتدريب (UNITAR)  في آذار/ مارس 2019.

وتشتهر أسواق مدينة حلب القديمة التي يعود تاريخها إلى بناء المدينة، وكان لها الدور في تعدد الفعاليات الاقتصادية منذ أقدم الأزمنة وحتى بداية الحرب في سوريا، ولعبت هذه الأسواق دوراً بارزاً عبر التاريخ للمدينة من الناحية الاقتصادية والتجارية والسياحية.

وكانت حلب القديمة تتميز بتنوع الأسواق فيها بحسب المهنة فهناك سوق الفرائين وسوق السراجين وسوق الزرب وسوق العطارين وسوق العبي  وسوق الحبال وسوق الصابون وسوق الخيش وسوق الفستق وسوق السقطية وسوق الجمرك وسوق خان الحرير وخانات أخرى.

وبعد سيطرتها على الأحياء القديمة في حلب، عملت الحكومة السورية على إعادة ترميم ثلاثة أسواق ضمن حلب القديمة باستلام مؤسسة أغا خان عملية الترميم.

وعملت الحكومة في السابع عشر من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، على إعادة افتتاح سوق السقطية ضمن الأحياء الداخلية للمدينة القديمة بعد ترميمٍ استمر لثمانية أشهر للبنى التحتية وتمديد المياه والكهرباء وشبكات الهاتف.

وفي آب/ أغسطس الماضي، افتتحت الحكومة سوق “خان الحرير” في مدينة حلب القديمة، وحالياً تعمل على ترميم سوق الفستق.

ويتساءل بائع اللحوم وأصحاب المحلات: “ما الفائدة التي جنتها الحكومة من إعادة ترميم الأسواق الداخلية في حلب القديمة والبعيدة عن حركة السكان وشراء حاجياتهم، ولا تعمل على ترميم سوق العتمة الذي يعد الأقرب إلى السكان؟”.

“لم يعد كما كان”

وبعد فقدان أمله بتأهيل السوق، عمل عبد الهادي خواتمي (35 عاماً) وهو صاحب محال خواتمي للحلاوة والطحينة في بداية سوق العتمة على ترميم محله على نفقته الخاصة ووصلت التكلفة إلى عشرين مليون ليرة سورية.

ويرى “خواتمي” أن المبلغ الذي أنفقه على عملية الترميم “ضخم، لكن الحفاظ على اسمي ومكاني في السوق وعودة الزبائن الآن مطلوب وخاصة أن المكان في بوابة السوق”.

ويضيف: “نجحت في تنشيط تجارتي دون انتظار أي دعم حكومي أو من مؤسسة أغا خان المسؤولة عن ترميم حلب القديمة”.

لكن عائلة عبد الباسط كعكة (40 عاماً)، التي تملك عدة محلات تجارية في السوق، لم تستطع ترميم وتأهيل جميع المحلات، “فهي تحتاج إلى الملايين لتعود إلى عملها”.

وعملت العائلة على تركيب أبواب مصنوعة من التوتياء في المحلات حتى لا تصبح مجمعاً للنفايات ورمي الأنقاض ووصلت تكلفة باب كل محل إلى أربعمائة ألف ليرة سورية، فيما رممت محلاً صغيراً لها في بداية السوق مخصص لبيع اللحوم.

ويقول “كعكة” الذي يعمل في المحل المرمم، “لم يعد السوق كما كان سابقاً، فأغلب أصحاب المحال التجارية لم يعودوا إلى السوق”.

ويشتكي الرجل الأربعيني من ضعف حركة الشراء ويرجع سببها إلى غلاء الأسعار، ويضيف بلهجته المحلية: “الأسعار تدعك تمتنع عن أكل اللحوم”.

 إعداد: معتز شمطة – تحرير: سوزدار محمد