نظام لا يجيد سوى الانحطاط (1)

تعد سوريا غنية بعناصر ومقومات النهوض والتقدم والازدهار، مع ذلك هي تتخلف وتستمر بالتخلف وكأنها لا تجيد إلا التخلف. في برنامج من يربح المليون الذي كان يقدمه الإعلامي اللبناني المعروف جورج قرداحي وضع سوريا بين أربع دول منها السعودية في سؤال  من الأغنى من هذه الدول؟ فكان الجواب الصحيح أن سوريا هي الأغنى.  يتوجه الحديث هنا إلى عناصر التقدم الأربع: الأرض ورأس المال والسكان والإدارة.

بالنسبة للأرض فهي ليست فقط حاملة للثروات الباطنية ومنتجة للغذاء، بل هي فوق ذلك الموقع المتفاعل مع السكان المحليين ومع العابرين فوقها عبر التاريخ ليتشكل منها بالمحصلة تاريخ غني بالذكريات المحفزة على النهوض والتقدم. غير أن ما في أرضنا من ثروات ليس لنا، أو لا نملك القدرة على استخدامه وتسخيره في سبيل نهوضنا وتقدمنا.

لا ينصرف الحديث هنا على النفط والغاز والفوسفات وغيرها من الثروات الأحفورية وخامات المعادن الضرورية للصناعة والإمكانيات الزراعية الكبيرة والمتنوعة، بل ينصرف إلى مسألتين مختلفتين تماماً هما في غاية الأهمية لإحداث نهضة وتقدم في سوريا: أعني بالأولى موقع سوريا الجغرافي وأهميته الاستثنائية، كموقع وسط بين دول العالم وملتقى تفاعلات حضارية تاريخية كبرى. هذا ما كان عليه في الماضي وما هو عليه في الوقت الراهن وما يمكن أن يكون عليه في المستقبل.

 غير أن الانتفاع من هذا الموقع غاب تماماً عن وعي وإدراك السلطات الحاكمة، ولذلك تجاهلته السياسات التنموية في عهد الحكومات الوطنية المتعاقبة. تأتي أهمية موقع سوريا من كونه منطقة مناسبة جداً لتلاقي وعبور مصالح دولية كبيرة يمكن أن تتنافس على الاستفادة منه لتعظيمها.

وفي بحث علمي كنت قد ساهمت به عام 2007 في مشروع استشرافي لمسارات التنمية في سوريا حتى عام 2025، ركزت فيه على أهمية الاستثمار في موقع سوريا الاستراتيجي، وتمت مناقشته أمام اكثر من 70 مشاركاً وتم تبنيه. لقد لاحظت في حينه علامات الاستغراب من قبل المشاركين كيف أنه لم يتم وعي ذلك قبلاً.

وفي لقاء مع  مسؤول الملف الاقتصادي في سوريا في حينه قلت له تصور معي مدى أهمية ربط الشاطئ السوري بشبكة خطوط حديدية دولية، وشبكة طرق سريعة عابرة للحدود نحو الشرق باتجاه العراق وإيران وباكستان والهند، ويمكن أن تعمل الشبكة على أساس تجاري. انعقدت الدهشة على وجهه وقال هذا وحده يحول سوريا إلى دولة متقدمة وفاعلة في الاقتصاد العالمي.

ما لم ندرك أهميته للأسف ها هي الصين تسعى لإنجازه من خلال مشروعها ” الحزام والطريق”. وأكثر من ذلك، بخصوص وعي الآخرين لأهمية موقع سوريا، كان قد تردد على لسان بعض المسؤولين المعنيين، بأن ثمة عرض أوروبي ودولي لتحويل سوريا إلى ممر لخطوط الطاقة من جميع دول الإقليم  العربية وغير العربية، بما في ذلك دول منطقة بحر قزوين، وإنشاء مصافي التكرير فيها مع كل الصناعات المصاحبة وأن العرض موجود في أدراج  الحكومة لم يتم اتخاذ موقف منه. ونعلم جميعاً ما نشرته وسائل إعلام مختلفة حول أن من أسباب تفجر الصراع في سوريا رفض الحكومة السورية السماح للغاز القطري بالمرور عبر أراضيها.

غير أن الموقع لا يعرض مزاياه النسبية بالنسبة للاستثمار من تلقاء ذاته بل لا بد من إعداده لذلك من خلال تطوير البنى التحتية الضرورية من موانئ وطرق ومطارات ومخازن وشبكات اتصالات وشبكات مالية ومصرفية متطورة. وفوق هذا وذاك تطوير ثقافة الاستقبال والتعامل مع الآخرين، وثقافة رعاية المصالح وإدارتها بطريقة تجذب المستثمرين ولا تنفرهم.

أما المسألة الثانية المتعلقة بالموقع فهي الثروات السياحية الهائلة الموجودة فيه، وكذلك ما يعد به من طاقة شمسية لا تنضب. بالنسبة للثروات السياحة فهي تشمل السياحة الثقافية والعلاجية والاستجمامية وغيرها، وهي ثروات غير مستفاد منها بصورة صحيحة. تكاد لا تخلو بقعة من بقاع سوريا من أثر لحضارة قديمة، أو ذكريات عن أحداث وقعت فوقها، أو من إنجاز حضاري. أضف إلى ذلك فإن على شواطئنا، وفي ربوع جبالنا الجميلة وفي بوادينا الفريدة ثمة أمكنة للراحة والاستجمام على مدار العام.

غير أن تطوير السياحة كمنطلق لإحداث تراكم رأسمالي يشكل بدوره منطلقاً لتقدم وازدهار المنطقة يتطلب تطوير بنية تحتية ملائمة من فنادق ومطاعم وملاهي، وكذلك تطوير ثقافة سياحية تحسن التعامل مع الوافدين بطريقة جاذبة لهم ولغيرهم من السياح بصورة مستمرة ومتنامية.

من جهة أخرى وفي ضوء أزمة الطاقة العالمية الآخذة بالتفاقم من جراء زيادة الطلب عليها وخصوصاً على النفط، الذي بدوره كمورد أحفوري يسير باتجاه النضوب، فإن الطاقة الشمسية تعد مورداً متجدداً للطاقة لا ينضب.