المشاهد الساخنة والقبلات في الدراما السورية تقسم الشارع بين مؤيد ومعارض

دمشق – نورث برس

تتباين ردود الفعل بين مؤيدٍ ومعارضٍ حيال الدراما السورية وتجاوزها لخطوطٍ يعتبرها البعض حمراء في المجتمع السوري بسبب الاعتماد على مشاهد جنسية فيما يجدها آخرون جزءاً من الواقع يتطلب تجسيده في الفن.

تقول رشا فارس (28 عاماً)، وتسكن حي البرامكة وسط دمشق، وتدرس ماجستير إدارة مدرسية في كلية التربية: “بالرغم من زخم الإنتاج وكثرة الأفلام والمسلسلات السورية في الأعوام الأربعة الأخيرة، إلا أنها كانت مخجلة وضعيفة وهدامة”.

وتضيف: “لم تعط هموم الناس ومشكلاتهم الحقيقيَّة اهتماماً واضحاً، بل أغلبها يدور حول موضوعين فقط، هما العنف والمشاهد الجنسية”، واصفة الدراما السورية بأنها “تعيش أزمة أخلاقية”.

وتعتبر “فارس” أن نسب المشاهدة العالية لهذا النوع من الدراما “لا يعكس نجاحها، وأن الاعتماد على الإباحية والعري وقصص الخيانة لجذب الجمهور وكسب المال، طريقة غير صحيحة”.

وتقول لنورث برس: “الدراما السورية باتت تسيء إلى مجتمعنا، وخرجت من كونها مصدراً لنشر الثقافة والوعي، وتعمل دون ضوابط أو رقابة مهنية”.

“الإباحية طريقة للترويج”

وتتذكر طالبة الماجستير، الأفلام السورية القديمة بالقول: “الله يرحم أيام الزمن الجميل الممتع، أيام ليالي الصالحية والخوالي والمرايا، كنا نجتمع ونسهر مع كل العائلة لمتابعتها”.

وتستشهد “فارس” بمشهد فيلم “الإفطار الأخير” الذي عرض مؤخراً، ويظهر فيه الفنانة السورية، كندة حنا، وهي تطبع قبلة على شفتي الفنان، عبد المنعم عمايري.

وتستهجن السلوك الرائج متسائلةً: “لا أفهم سبب زيادة مشاهد الجنس والمشاهد الحميمة في فيلم الإفطار! أليس ثمة طريقة أفضل للترويج للعمل؟”.

يشار إلى أن فيلم “الإفطار الأخير”، هو أحدث أفلام المخرج السوري عبد اللطيف عبد الحميد، وهو فيلم روائي طويل يمتد لـ 90 دقيقة، من إنتاج المؤسسة العامة للسينما.

وتدور أحداثه حول حياة امرأة شابة اسمها “رندة”، تقوم بأداء شخصيتها الفنانة كندة حنا، وزوجها “سامي” ليكون بدوره الفنان عبد المنعم عمايري.

ويروي الفيلم قصة “سامي” الذي يعاني من أزمة نفسية حادة بعد وفاة زوجته “رندة” متأثرة بشظايا قذيفة هاون سقطت على منزلهما.

وغدت لقطات حميمة مرّت ضمن الأحداث، بين بطلي الفيلم، حديث رواد التواصل الاجتماعي، وأثارت ضجة واسعة حيث قسمت الآراء بين مؤيد ومعارض، وتصدر نتائج البحث على غوغل في سوريا حاصداً آلاف المشاهدات والتعليقات.

“ازدواجية المُشاهد”

ويخالف إياد عطية (36 عاماً)، ويسكن أيضاً حي البرامكة، ويعمل كمهندس ديكور في شركات خاصة، الرأي مع “فارس” في موضوع القبلة والمشاهد الحميمية، حيث يراها جزءاً من حالة إنسانية واقعية يتطلب العمل الفني تجسيدها.

ويستدل المهندس، على السينما السورية في الستينات والخمسينات، حيث “كانت القبلات الحميمية حاضرة” ويعلّق ضاحكاً، “هل تختلف قبلات الماضي عن قبلات الحاضر؟”.

ويشير إلى ازدواجية المُشاهد السوري، “فهو لا يتقبل مشاهد الحب والإنسانية في الدراما، ولكن في المقابل يستمتع بمشاهد العنف ويعتبرها جزءاً من حياته، بل ويتفاعل معها”.

وزاد على ذلك، “بالإمكان تخيل التناقض الفكري الذي يعيشه المشاهد، فهو يتقبل القبلات في الأفلام والمسلسلات التركية والأجنبية، ولكنه يرفضها في الدراما المحلية!”.

ويستدرك نفسه، “بالطبع، أرفض أن تتحول الدراما إلى مصدر للترويج للدعارة والعهر والاغتصاب والمخدرات وغيرها، ولكني لا أرى ضرراً في بعض مشاهد الحب المتمثلة بالقبل والأحضان التي تخدم النص والمشهد”.

وأثارت بعض الأعمال الفنية، مثل “شارع شيكاغو” ومسلسل “عالحد” وغيرها، جدلاً كبيراً على مواقع التواصل الاجتماعي، بسبب مشاهد القبلات التي جمعت بين فنانين سوريين.

وبحسب بعض المشاهدين، فإن “الهدف من هذه المَشاهد هي محاولة لإخراج المُشاهد من الأوضاع السياسية والاقتصادية السيئة التي تمر بها البلاد، وتغير اهتماماته وتوجيه أنظاره إلى نواحي أخرى”.

“دراما عنيفة”

وتنتقد الأخصائية الاجتماعية سمر أيوب، التي تعمل في جمعية خاصة للاستشارات النفسية والاجتماعية، بشدة مشاهد العنف والاغتصاب في الأفلام والمسلسلات السورية.

وتقول لنورث برس إنها “تلعب دوراً كبيراً وتساهم في تشكيل شخصية المشاهد، وخاصة الأطفال، وتروج لثقافة العنف وتجاوز القانون”.

وبحسب الأخصائية، “فمن الطبيعي أن تثير بعض مشاهد القبل في الدراما السورية الجدل، فالموضوع يتعلق بنوع التربية والبيئة التي ينتمي إليها الفرد، ومن الممكن أن نرى شخصاً محافظاً يرفض وآخر منفتح يتقبل”.

وتؤيد “أيوب” المشاهد التي تساعد الطفل والشاب السوري على التربية الجنسية السليمة، “ولكن للأسف الدراما السورية تفتقد ذلك، ولا تنطلق من هذا المبدأ، وإنما تستهلك المشاهد لأهداف ربحية، ما يؤدي إلى نشر الشذوذ الجنسي في مجتمعاتنا”.

وأشارت إلى أن “مشاهد العنف والاغتصاب في الدراما السورية تحديداً أصبحت ظاهرة بعد عام 2011 وصارت تعتمد على جرعات زائدة من العنف الجسدي والجنسي، ما انعكس سلباً على المجتمع”.

وتقول: “بكل تأكيد الفن له تأثيره السلبي والإيجابي في المجتمع، فكما الحب معدِ، فالعنف أيضاً معدٍ، ولذلك على الكاتب أن يختار ما ينفع المجتمع”.

وحول حال الدراما السورية مؤخراً، اختصرت بوصفها بـ “الدراما العنيفة”.

وتتخوف الأخصائية النفسية من انعكاسات الدراما الاجتماعية والسلوكية والنفسية على الفرد، حيث “باتت ساحة تعرض فيها مختلف فنون القتل والعدوان، وبالتالي تعزز مشاعر الكراهية والانتقام”.

وتضيف: “لا أغفل عن العنف الموجود عن المجتمع، ولكن دور الدراما يكمن في ترشيد وتخفيف كمية العنف، وليس العكس”.

وزادت “أيوب” على ذلك، بالقول: “على صناع الدراما من كتاب ومخرجين ومنتجين وفنانين، أن يؤدوا عملهم بأمانة، فالفن رسالة، والمجتمع السوري بحاجة إلى دراما واعية بمشاكلها الآن أكثر من أي وقتٍ مضى”.

إعداد: ياسمين علي – تحرير: هوكر العبدو