مزاجيات شخصية لآباء تحدد مصير فتيات بريف حلب الشرقي
حلب- نورث برس
لا تتمكن والدة العشرينية صفاء العبد الله ، وهو اسم مستعار لفتاة من سكان ريف حلب الشرقي تعاني من اضطرابات نفسية، من تهدئتها، فيستمر صراخها وبكاؤها أثناء نوبة تفقدها القدرة على التحكم بجسدها.
وطيلة الأعوام الماضية، منع الوالد عرض ابنته على الأطباء سوى مرة واحدة ولم يتابع علاجها، “خشية على سمعتها وافتضاح أمر مرضها في القرية، الأمر الذي سيحرمها من فرصة الزواج بحسب قناعته”، وفقاً لما نقلته الوالدة لنورث برس.
وتقول نساء وفتيات بريف حلب الشرقي إن عادات بالية ومعتقدات متخلفة أو متشددة لدى أولياء أمورهن تحرمهن من أبسط حقوقهن كاختيار شريك حياة والتعليم والعمل وتلقي العلاج، بينما من النادر أن يعارض الأقارب هذه القرارات إذ يلزمون الصمت حتى لو أدركوا الخطأ أمامهم.
“ما بدي أخسر بنتي”
وتعاني صفاء من تكرر النوبات التي تمنعها من التصرف بشكل طبيعي أو الاعتماد على نفسها كالفتيات في مثل سنّها، فتظهر لديها تصرفات عدوانية وتحاول إيذاء نفسها إضافة إلى غياب بعض علامات البلوغ.
وقصدت الأم الفرق الطبية الجوالة القادمة إلى القرية بين فترة وأخرى للسؤال عن حالة ابنتها، لكن الأب رفض عرضها عليهم.
تقول إنه بعد تدخل أقارب، سمح لمرة واحدة فقط مراجعة طبيبة قالت إنها تعاني من تخلف عقلي منذ الولادة.
وتشير “العبد الله” إلى شعورها بالعجز أمام ابنتها المريضة، “لا أمل في علاج ابنتي بعد كل ما فاتها من حرمان، لن أسامح نفسي لكن لم يكن القرار بيدي، ما زال والدها يرفض تلقيها العلاج ومراجعة الأطباء”.
وتضيف بلهجتها المحلية: “بس كمان ما بدي تنظلم بنتي أكتر من هيك بكفي مرضها، ما بدي أخسرها”.

“دموع وسط المباركات”
وتُجبر فتيات في قرى ريف حلب على الزواج في ظل معتقدات مجتمعية تحذر من “العنوسة”، وتكرر أن مآل الفتاة بيت الزوج.
وقد يتخذ رجال العائلة خلال لحظة مجاملة قرار زواج إحداهن لابن عم غير مؤهل للزواج أو مسن من المعارف أو شركاء العمل أو غيرهم.
وغالباً ما تتسبب تلك القرارات بمشكلات بعد الزواج.
وبعد نحو أسبوعين فقط من زواجها، أعاد زوج عبير الموسى (32 عاماً) إلى بيت أهلها في قرية المعبدية بريف حلب دون تمكنها حتى الآن الحصول على الطلاق الذي تطالب به.
وقبل نحو ثلاثة أشهر، أجبرت “الموسى” على الزواج من رجل يكبرها بـ 25عاماً، “وهو متزوج من امرأتين سابقاً”.
تقول إن عائلتها لم تعطها حق القبول أو الرفض، “لأني في سن العنوسة من وجهة نظرهم، ويجب أن أتزوج بأول شخص يتقدم لخطبتي حتى لا تلاحقني ألسنة الجيران والأقارب”.
وخلال أسبوع واحد، تمت الخطبة والزفاف “كانت دموعي لا تتوقف وسط مباركات الأهل والأقارب على ما اعتبروه إنجازاً”.
وتضيف: “حكموا علي العيش مع زوجتيه في منزل واحد لأكون الخادمة الجديدة التي يجب أن تقدم الطاعة لأسياد البيت”.
وتشير “الموسى” إلى أنها تعرضت للإهانة والضرب على يد زوجها وزوجاته، “فلم أستطع تقبل الواقع المرير الذي وضعتني فيه عائلتي”.
إرث العائلة لذكورها
ولم تشهد المعبدية وغالبية قرى الريف الشرقي لحلب عودة التعليم والمراكز الصحية بعد سيطرة القوات الحكومية نهاية عام 2016، رغم عودة ما يقارب 500 عائلة إلى القرية منتصف عام 2017.
ولا يهتم سكان كثيرون بتعليم أبنائهم وبناتهم، إذ أن متطلبات الحياة الصعبة تجبر الذكور على العمل في الزراعة وباقي المهن، أما الفتيات فتساعدن أمهاتهن في الأمور المنزلية.
وتقول أمينة المحمود (35 عاماً) إنها حُرمت هي وشقيقاتها من الميراث بعد وفاة والدهم عام 2015، إذ رفض أشقاؤها الذكور منحهن حصتهن من الميراث.
وتضيف أن أشقاءها عللوا ذلك بأنها متزوجة وأن أموال العائلة يجب ألا تذهب للصهر، وأنهم وأولادهم الوحيدون الذين لهم الحق الحصول على إرث العائلة والتصرف بأملاك والدهم.
ولجأت “المحمود” إلى القانون لتحصيل حقها ورفعت دعوى قضائية.
لكنها ما تزال تنتظر قرار المحكمة منذ عامين ونصف، إذ يتم تأجيل جلسات الحكم لعدم حضور أشقائها الجلسات.