سكان في دمشق يقعون ضحايا الدولار المزور والمجمد

دمشق-  نورث برس

لا يزال رياض ناجي (57 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد سكان مشروع دمر غرب دمشق، مصدوماً من تعرضه لعملية نصب مؤخراً عندما اشترى مبلغ عشرة آلاف دولار أميركي من خلال أحد أصدقائه.

يقول إن صديقه عرض عليه شراء مبلغ عشرة آلاف دولار مقابل 17 مليون ليرة سورية، أي بثمن أقل من سعر المصرف المركزي “وأكد لي بأن كل شيء سيكون على ما يرام”.

وكان “ناجي” يرغب أن يحقق لابنته المسافرة للدراسة في إحدى الدول الأوربية والتي تخرجت من كلية الهندسة المدنية في دمشق طموحها في استكمال الدراسات العليا في الخارج.

لكن آمال “ناجي” الذي يعمل مهندساً في شركة خاصة انهارت بعد أن قصد البنك وعلم بأن الدولارات “مجمدة”.

والدولار المجمد هو دولار حقيقي تم الحصول عليه في الحروب، إلا أن أرقامه التسلسلية محظورة في التعاملات البنكية ويتم بيعه في السوق السوداء بنصف الثمن بطرق غير مشروعة، والأوراق النقدية المجمدة التي تصل إلى البنك تتم مصادرتها.

ويعود استخدام هذا المصطلح إلى حرب الخليج الثانية بعد الاجتياح العراقي للكويت وعمليات النهب التي طالت المصارف الكويتية، والتي اتهم بها الجيش العراقي، إضافةً إلى شيوعه خلال الحرب في العراق وفي ليبيا.

وتعد كل التعاملات التجارية وعمليات بيع وشراء الدولار المجمد مخالفة للقانون وتعرض صاحبها لعقوبات وملاحقة قضائية.

“ضباط ومقربون من الحكومة”

وينتشر الدولار المجمد بشكل كثيف في كل من سوريا وتركيا والأردن والعراق وليبيا ودول أخرى ويتم بيعه عن طريق سماسرة وعصابات أو شبكات تهريب.

وقام “ناجي” بالتواصل مع صديقه الذي تمت من خلاله عملية الشراء “وهددته بإخبار الشرطة عن أمره ما لم يرد لي المال خلال يومين”.

ويضيف: “لكن شعرت بالخوف بعد أن أخبرني صديقي بأن الأشخاص الذين اشترى منهم الدولارات هددوه بالقتل في حال إفصاحه عن أمرهم”.

ويذكر المهندس أنه تم تحويله إلى قسم التحقيق، ليتم الإفراج عنه بكفالة مادية بعد أن توسط له أحد الضباط المقربين.

وبحسب رواية صديقه فإنه في بادئ الأمر لم يكن يعلم بأن الأشخاص الذين اشترى منهم الدولارات هم عناصر لحزب الله اللبناني وضباط في الجيش السوري، ليتعرف على هويتهم  فيما بعد عن طريق الصدفة.

ووفقاً لأشخاص وقعوا ضحية الدولار المجمد والمزور فإن عناصر من حزب الله اللبناني يهربون ملايين الدولارات المزورة والمجمدة عبر الحدود السورية اللبنانية ويقومون بضخها في السوق السورية بالاتفاق مع ضباط حكوميين.

وفي أيار/ مايو العام الماضي نشرت وكالة نورث برس تحقيقاً بعنوان “مجمّد ومزوّر.. الأخضر يغطّي الرقة ويستنزف جيوب السكان”،  أشارت فيه إلى أن العديد من المصادر، بمن فيهم المروجون أنفسهم،  يتهمون حزب الله بالوقوف خلف عمليات الاتجار بالعملة المزورة وتسهيل إدخالها من لبنان إلى سوريا.

“قوانين تحاسب الضحايا”

ووقع يوسف العلي (34 عاماً)، وهو اسم مستعار لأحد سكان دمشق، ضحية للدولار المزور وذلك عندما حول عشرة ملايين سورية التي يملكها إلى دولار أميركي في السوق السوداء بدمشق.

واعتقد “العلي” الذي يعمل كميكانيكي أنه إذا تمكن من شراء الدولارات، فسيكون بأمان معيشي يسمح له بادخار بعض الأموال تحسباً “لأيام سوداء”، إلا أنه تبين بعد حصوله عليها بأنها مزورة.

يقول الشاب إن من الصعب التميز بين الدولار المزور والحقيقي، “فهي متطابقة إلى درجة كبيرة، إضافة إلى أن العصابات التي تروج له تمتلك أساليب احتيال”.

ويضيف: “هذه العصابات على دراية بقوانين اللعبة، فهي على ثقة بأن الضحية لن يبلغ عنها كونهم يصبحون شركاء في الجريمة بمجرد شراء الدولار أو تداوله، فالقوانين الحكومية تجرم ذلك”.

“أنا وغيري من المدنيين الضحايا نرضى بالخسارة المالية مقابل عدم تعرضنا للعقوبات القانونية، فالقانون لا يحمي المغفلين”.

والدولار المزور هو الذي يتم تصنيعه بالمواصفات التي يتطلبها إعداد الدولار الحقيقي ولكنه لا يحتوي على الأرقام التسلسلية النظامية.

وفي التاسع عشر من كانون الثاني/ يناير 2020، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد، مرسوماً تشريعياً نص على تشديد العقوبات بحق كل من يتعامل بغير الليرة السورية، كوسيلة للمدفوعات أو لأي نوع من أنواع التداول التجاري أو التسديدات النقدية، سواء كان ذلك بالقطع الأجنبي أم المعادن الثمينة.

ورفع المرسوم العقوبة بالأشغال الشاقة المؤقتة لمدة لا تقل عن سبع سنوات بعدما كانت تنص على الحبس من ستة أشهر إلى ثلاث سنوات، مع غرامة مالية.

“لصوص ومتنفذون”

وفي أيلول/ سبتمبر عام 2021، أعلن مصرف سوريا المركزي عن وجود كمية كبيرة من العملة الأجنبية المزورة في البلاد ودعا إلى الامتناع عن الشراء من السوق غير النظامية.

وقال “المركزي” حينها “إنه ولدى مراجعة مواطني المصرف لتسديد مبالغ مترتبة عليهم بالقطع الأجنبي، تبين وجود كمية كبيرة منه مزورة، تم شراؤه من السوق غير النظامية”.

وطلب المصرف من السوريين “الامتناع عن شراء القطع الأجنبي من السوق غير النظامية واللجوء إلى المصارف وشركات الصرافة للحصول على حاجتهم من القطع الأجنبي”.

ويلجأ غالبية السوريين الذين يحتاجون إلى العملة الأميركية لتنفيذ معاملات معينة إلى السوق السوداء لشراء الدولار وذلك لأن معظم المصارف ترفض بيعه أو تفرض إجراءات شديدة التعقيد.

كما يرفض السكان الذين يحصلون على الدولار من تحويلات خارجية، استبدال الدولار بالسعر الرسمي لأنه أقل من سعر السوق السوداء.

يقول “العلي” إن العصابات التي تروج للدولار المزور والمجمد، “مجموعة لصوص ومزورين وتجار مخدرات، هم سبب الخراب في سوريا، لقد حولوا سوريا إلى سوق لتصريف كل ما هو ممنوع”.

ويتساءل: “من سيحاسب من؟ هل بإمكان الحكومة محاسبة ضباطها أو عناصر حزب الله الذين من المفترض أنهم يدعمونها في حربها ضد الإرهاب!”

إعداد: ياسمين علي- تحرير: سوزدار محمد