عائلات في درعا تبحث عن جثامين أبنائها المعتقلين بعد إعلان “النفوس” وفاتهم

درعا- نورث برس

تحاول عائلة صهيب القواريط التي تعيش في مدينة الحارة بريف درعا الغربي، جنوبي سوريا، منذ أيام الحصول على جثمانه أو معرفة مكان دفنه، لكن دون جدوى.

والخميس الماضي، راجع ذوو المعتقل منذ أربعة أعوام لدى القوات الحكومية، دائرة النفوس لإصدار بعض الأوراق، فتم إبلاغهم أن ابنهم صهيب القواريط (46 عاماً) توفي منذ أكثر من عام.

وطيلة أعوام اعتقاله، لم تستطع عائلة المعتقل معرفة مكان سجنه رغم مراجعتهم للفروع الأمنية الحكومية.

وخلال الفترة القليلة الماضية، تلقت عائلات معتقلين في درعا، خبر وفاة أبنائهم في السجون الحكومية دون تمكنهم من الحصول على جثامينهم أو معرفة مكان دفنهم.

وقالت مصادر محلية، لنورث برس، إن ثلاث عائلات في بلدة تسيل بريف درعا الغربي تسلمت في الثاني والعشرين من كانون الأول/ ديسمبر الماضي، بلاغات تفيد بوفاة أربعة من أبنائها في سجون القوات الحكومية.

وأشارت إلى أن المعتقلين المعلن عن وفاتهم هم الشقيقان رامي ووسيم الحايك، بالإضافة لثائر النعسان وعبد الله الخطيب.

ومنذ اندلاع الحرب السورية عام 2011 وحتى التسوية الأولى صيف العام 2018، وثق مكتب توثيق الشهداء في درعا وهو منظمة محلية غير حكومية تتابع إحصاءات القتلى والمعتقلين في درعا، مقتل 1239 معتقلاً من درعا في سجون القوات الحكومية.

وقال محمد الشرع، وهو عضو المكتب، لنورث برس، إن 198 معتقلاً قتلوا في السجون الحكومية خلال الفترة بين التسوية الأولى والثانية التي انتهت في الثالث من تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي.

وأشار إلى أن ثمانية معتقلين قتلوا بعد انتهاء التسوية الثانية وحتى نهاية العام 2021.

وأضاف أن “عدداً محدوداً جداً من ذوي المعتقلين يستلمون جثامين أبناءهم”.

“جثة هامدة”

وفي الثاني من أيلول/ سبتمبر العام الماضي، سلمت جهات أمنية حكومية جثمان المعتقل يونس السبتي (26 عاماً) لذويه بعد وفاته في سجن صيدنايا العسكري بريف دمشق، بعدما تلقت العائلة اتصالاً من السجن أعلمها بضرورة مراجعتهم لاستلام الجثمان.

وقالت مصادر مقربة من عائلة “السبتي” في قرية حوش حماد شرق منطقة اللجاة بريف درعا الشرقي، إنهم كانوا على موعد مع إطلاق سراحه بعد دفعهم لمبالغ مالية طائلة لضابط في القوات الحكومية.

وكان الضابط  الحكومي قد وعد بإطلاق سراح المعتقل أواخر أيلول العام الماضي، لتقوم والدته بتوزيع الحلوى على جيرانها فرحاً بقرب موعد خروج ولدها من السجن “ولم تكن تعلم أنه سيخرج جثة هامدة”.

وصيف العام 2018، اعتقل “السبتي” مع شقيقه الأكبر وعدد من أقاربه في القرية، رغم إجرائه للتسوية الأولى بموجب اتفاق رعته روسيا آنذاك.

وكان من بنود التسوية الأولى التي أجريت بعد الاتفاق بين المعارضة السورية والقوات الحكومية برعاية روسيا، عدم ملاحقة من يحمل بطاقة تسوية وإعادة موظفي الحكومة إلى أعمالهم.

لكن سكاناً في درعا قالوا، لنورث برس، إن  الضامن الروسي لم يفِ بتعهداته بوقف عمليات “الاعتقال التعسفي” التي أفضت في بعض الحالات إلى مقتل معتقلين تحت التعذيب في سجون حكومة دمشق، وهو ما أوردته تقارير محلية وأممية.

“فضيحة لنظام الأسد”

وقال أيمن عبد النور، وهو سياسي معارض من درعا، لنورث برس، إن القوات الحكومية أحرقت ودفنت غالبية جثامين المعتقلين الذين فقدوا حياتهم في السجون في مقابر جماعية، وهو ما يحول دون تسليمها لذوي أصحابها.

وبسبب الأعداد الكبيرة للمعتقلين الذين فقدوا حياتهم في السجون، تضطر القوات الحكومية وعلى فترات زمنية متفرقة إعلان أسماء معتقلين متوفين وتسليم شهادة وفاة لعائلاتهم، بحسب السياسي المعارض.

وأشار “عبد النور” إلى أن عدم تسليم جثامين المتوفيين لذويهم، أدى إلى تعرض عائلات المعتقلين لعمليات احتيال يقوم بها ضباط في القوات الحكومية عبر إيهامهم بأنهم يستطيعون الكشف عن مصير أبنائهم لابتزازهم وأخد مبالغ مالية كبيرة منهم.

وأضاف أن  ملف المعتقلين موجود نظرياً في محادثات أستانا بين المعارضة السورية والقوات الحكومية “ولكن روسيا لا تضغط بشأن هذا الملف المعتقلين لأن فتحه يعتبر فضيحة لنظام الأسد”.

ويقول سكان وناشطون في درعا إن الحكومة لا تمتلك نوايا حقيقية في الكشف عن مصير المعتقلين لديها، لا سيما من اعتقلوا أثناء احتجاجات عام 2011 وما بعده.

وبعد التسوية الثانية، أفرجت الحكومة عن أشخاص اعتقلوا مؤخراً، في حين بقي مصير معتقلين منذ أعوام مجهولاً حتى الآن.

 وذكر “عبد النور ” أنه لا تتوفر إحصائيات دقيقة لدى أي جهات حول عدد المعتقلين الذين فقدوا حياتهم في المعتقلات، “وذلك بسبب توزع السجون في مناطق متفرقة من سوريا إضافة إلى سجون سرية لا ترتبط بالأفرع الأمنية”.

“التسوية لم تنفع”

وعلمت “أم فيصل” (38 عاماً)، وهي من سكان منطقة اللجاة اكتفت بالتعريف عن نفسها بهذا الاسم، بوفاة زوجها بعد مراجعة دائرة السجل المدني في شباط / فبراير عام 2020 بمدينة أزرع بريف درعا الشرقي من أجل إصدار بيان عائلي للحصول على البطاقة الذكية.

وكان زوج المرأة شرطياً في وزارة الداخلية السورية قبل الانشقاق عنها مطلع العام 2012.

وانضم الزوج إلى اتفاق التسوية الأولى وقام بعدها بمراجعة مكان عمله السابق ليتم “اعتقاله دون سابق إنذار، حتى التسوية لم تنفع”، على حد قول الزوجة.

وتشتكي عائلات معتقلين في درعا من تفاقم ظروفها المعيشية بسبب فقدان معيليها، كما أن دفع مبالغ مالية، قد تصل لملايين الليرات السورية، بهدف الكشف عن مصير أبنائها أو الإفراج عنهم يزيد أوضاعهم سوءاً.

وأشارت الزوجة إلى أنها لم تعلم عنه شيئاً منذ شهر تشرين الأول/أكتوبر عام 2018، وذكر مفرج عنهم قبلها بأنهم شاهدوه في أحد الأفرع الأمنية التابعة للقوات الحكومية في العاصمة دمشق.

إعداد: إحسان محمد –  تحرير: سوزدار محمد