أولياء تلاميذ في دمشق: تلقى أبناؤنا تعليماً سيئاً هذا العام

دمشق- نورث برس

يرتاد الأولاد الثلاثة لعنود عباس (42 عاماً)، وهي من سكان حي المهاجرين في الجهة الشمالية للعاصمة دمشق، هذا العام، مدارس خاصة، إذ فضلت تسجيلهم فيها بسبب “إهمال” المدارس الحكومية للطلبة.

تقول الموظفة في دائرة حكومية في مشروع دمر: “لا أستطيع أن أضحي بمستقبل أبنائي، فالمدارس الحكومية تفتقر إلى جميع مقومات التعليم حالياً”.

وتضيف: “أبنائي في الإعدادية كانوا يشتكون من ضعف مؤهلات معلميهم لدرجة عجزهم عن الإجابة عن أسئلة الطلبة وشرح بعض المسائل والبراهين”.

ويشتكي ذوو تلاميذ في العاصمة من تراجع العملية التعليمية في المدارس الحكومية نتيجة نقص عدد المدرسين الأكفاء وعدم الاهتمام بالمناهج أو إيصال المعلومة بشكل جيد للطلاب.

ووفقاً لهؤلاء، فإن بعض المعلمين الذين كان يُشهد لهم بالخبرة والكفاءة العلمية والمهنية سافروا إلى الخارج والبعض الأخر نزح أو فُصل بسبب مواقفه السياسية أو سيق للخدمة الإلزامية.

وبحسب مؤشر عالمي صادر عن المنتدى الاقتصادي في دافوس وتصنيفه السنوي للدول وفق جودة التعليم والترتيب الذي حصدته عالمياً لعام 2021، عُدت سوريا خارج التصنيف، “كونها دولة تُفتقد فيها أبسط معايير الجودة في التعليم”.

رواتب شحيحة

وتصف “عباس” بعض المعلمين الحاليين في المدارس الحكومية بأنهم “مجرد هياكل في المدارس”.

لكنها تقول أيضاً: “إنما لا يمكن لوم المعلمين الذين لا يبذلون جهوداً في تعليم طلابهم، فهذه المهنة المتعبة لم تعد مغرية مادياً أو معنوياً، يتحملون ضغط وضجيج 40 طالباً في الصف الواحد، مقابل مرتب شحيح يذهب نصفه أجوراً للمواصلات”.

وتبلغ رواتب المعلمين في المدارس الحكومية وسطياً نحو 100 ألف ليرة سورية، وذلك وسط انهيار قيمة الليرة السورية وغلاء أسعار كافة المواد الغذائية والاستهلاكية والمحروقات.

ذلك رغم أن الرئيس السوري أصدر عدة مراسيم وقرارات بزيادة الأجور أو أجزاء من تعويضات ضمن رواتب المعلمين.

ويلجأ قسم كبير من المعلمين في مناطق سيطرة الحكومة السورية لأعمال إضافية خارج أوقات دوامهم لتغطية نفقات عائلاتهم وسط الأزمات المتعددة.

وتتأسف “عباس” على حال التلاميذ “الذين يتلقون اليوم تعليماً سيئاً للغاية”.

ويعتقد البعض أن واقع التعليم في سوريا قبل الحرب كان أفضل بكثير مما هو عليه اليوم.

لكن، وبحسب مقالة للباحث السوري في التنمية المستدامة أسامة ضللي منشورة في مجلة المنهجيات التربوية (تهتم بنظام التعليم في العالم العربي)، فإن النظام التعليمي في سوريا لم يكن في الأصل قبل الحرب نظاماً مثالياً، رغم حالة الاستقرار التي كانت تنعم بها سوريا وأنه عانى من أخطاء أثرت في عملية التطوير في البلاد فانهار التعليم تماماً مع بدء الحرب.

ولم يتردد قاسم محمد (50 عاماً)، وهو معلم من حي المهاجرين شمال دمشق، في تقديم استقالته من وظيفته الحكومية رغم مضي 24 عاماً من خدمته، ليتوجه لإعطاء الدروس الخصوصية في منزله.

يقول إن حال المدارس “يُرثى لها”، من حيث العدد الكبير للطلاب داخل الصف الدراسي وعدم التزام المعلمين بالدوام وقلة عددهم، “فقد يقضي الطلاب أسابيع من دون توفر مختص لتدريس مادة ما”.

“تشبه الثكنات”

ويرى المعلم الخمسيني أن كل المؤشرات تشير إلى أن النظام التعليمي في سوريا “يتجه نحو السقوط،  تدمرت البنية التحتية للمدارس وتحولت بعضها لملاجئ ومعسكرات وآلاف الطلاب تركوا ويتركون الدراسة بسبب النزوح والظروف الاقتصادية الصعبة”.

ولا يحظى الطلاب ببيئة تعليمية مناسبة، فالمدارس الحكومية تشبه “الثكنات العسكرية” من حيث النوافذ والأبواب والمقاعد والألواح المكسورة وعدم توفر التدفئة شتاءً ولا وسائل التبريد صيفاً، بحسب معلمين.

وبحسب تقرير منظمة “اليونسيف” الذي صُدر في الرابع والعشرين من كانون الثاني/ يناير 2021، فإن نظام التعليم في سوريا يعاني من إجهاد كبير ونقص التمويل والتفكك وعدم القدرة على تقديم خدمات آمنة وعادلة ومستدامة لملايين الأطفال.

ويوجد في سوريا أكثر من 2.4 مليون طفل غير ملتحقين بالمدرسة، منهم 40% تقريباً من الفتيات، بحسب المنظمة.

وقالت “اليونسيف” إن واحدة من كل ثلاث مدارس داخل سوريا لم تعُد صالحة للاستخدام لأنها تعرضت للدمار أو للضرر أو لأنها تُستخدم لأغراض عسكرية.

أما الأطفال القادرون على الالتحاق بالمدارس، فإنهم يتعلمون في الغالب في صفوف دراسية مكتظة وفي مبانٍ لا تحتوي على ما يكفي من المياه ومرافق الصرف الصحي والكهرباء والتدفئة أو التهوية.

ويبدو “محمد”، غير متفائل بمستقبل التعليم والطلاب في سوريا.

 ويتساءل: “ماذا ينتظرون من جيل لم يتلق تعليماً جيداً ولم ير سوى الحرب والفقر والجوع؟”

ويضيف: “التلميذ السوري اليوم لا يشعر بالانتماء إلى مدرسته ومعلميه، فلا شيء يربطه بهذه الجدران الباردة، لذا كثرت ظاهرة التسرب المدرسي”.

إعداد: ياسمين علي- تحرير: سوزدار محمد