نساء في القامشلي يعملن في العتالة رغم مشقتها لإعالة أسرهن
القامشلي- نورث برس
تحمل عايدة العلي (22 عاماً)، وهي من سكان حي علايا في مدينة القامشلي، شمال شرقي سوريا، على ظهرها كيس طحين وتنقله من محل تجاري إلى شاحنة في شارع الكورنيش، فتتلقف شابة أخرى الأكياس وتعمل على ترتيبها في الشاحنة.
وعلى الرغم من المخاطر الصحية للإجهاد على هؤلاء النساء، تعملن في العتالة ويحملن أكياس الأرز والسكر وأكياس الطحين التي قد يصل وزن كل منها إلى 50 كيلوغراماً، إضافة إلى صفائح الزيت وغيرها من المواد الغذائية.
تقلن إن الظروف المعيشية الصعبة وعدم امتلاكهن لشهادات تساعدهن على إيجاد فرص أفضل، دفعهن للعمل في العتالة رغم قلة الأجور واستغلال التجار لحاجة عائلاتهن.
تقول “العلي” إنها كانت تحلم بالدراسة في الجامعة لولا فقدانها لوالدتها وإصابة والدها بإصابة دائمة اقعدته عن العمل إثر حادث سير، ما دفعها لترك الدراسة بعد إتمام المرحلة الثانوية والبحث عن عمل تعيل به والدها وشقيقتها البالغة من العمر 12 عاماً.
وتضيف، بينما تنهمك بنقل أكياس الطحين إلى الشاحنة دون توقف، إنها بحثت كثيراً عن عمل غير العتالة، “ولكن لم يحالفني الحظ، كما أننا لم نتلق أي دعم ومساعدة من أقربائي”.
وفي ساعات الصباح الباكر تبدأ الشابة عملها “الشاق” الذي يستمر غالباً حتى ساعات المساء، إذ تنتظر وصول شحنات البضائع إلى المحال والمستودعات لتفريغ حمولتها أو تحميلها بالمواد الغذائية.
أجر قليل
ولكن “العلي” تشتكي قلة أجرها اليومي مقابل ساعات العمل الطويلة وصعوبته، “مردودي لا يكفي ثمن شراء أدوية لوالدي ومستلزمات المنزل، الأجرة اليومية لا تتجاوز عشرة آلاف ليرة، أغلب الأيام أقطع كيلومترات سيراً للوصول للمنزل حتى أوفّر بعض المال”.
ويحدث هذا في ظل ارتفاع أسعار كافة المواد الغذائية والاستهلاكية والتي ترتبط قيمتها بسعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأميركي.
وتصدرت سوريا قائمة الدول الأكثر فقراً بالعالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي، التي وردت في تقرير شباط/ فبراير الماضي.
وتعتقد الشابة أن من واجب المنظمات الإنسانية والمجتمعية في هذه الظروف توفير فرص عمل للنساء من خلال افتتاح مشاريع،” فالعتالة عمل صعب جداً”.
ويقول أصحاب محال ومستودعات إن قلة عدد الرجال الذين يعملون في تحميل وتنزيل البضائع من الشاحنات وفي المستودعات يدفعهم للاعتماد على النساء.
لكن نساء التقت بهن نورث برس قلن إن أصحاب المستودعات والمحال يفضلون تشغيل النساء لانخفاض أجورهن.
ويشير عبد الصمد قاسم (53 عاماً)، وهو تاجر في القامشلي، إلى أن عشرات النساء، وبينهن طفلات لا تتجاوز أعمارهن 14 عاماً، يقصدن مستودعه يومياً لطلب فرصة عمل في تحميل البضائع ونقلها.
وإلى جانب الأوزان الثقيلة للحمولات وقلة أجورهن، تتحمل النساء صعوبة العمل في الظروف الجوية “السيئة” سواء في الشتاء حيث الأمطار وانخفاض درجات الحرارة أو خلال الصيف حيث تقارب الحرارة 50 درجة.
“لا خيار آخر”
وتعمل ريم، وهي من سكان حي حلكو بالقامشلي، في تحميل ونقل المواد الغذائية، لتسديد ديون والدها الذي ترك العائلة وذهب إلى مكان يجهلونه بعدما تراكمت الديون عليه.
وتقول الشابة التي فضلت عدم نشر اسم عائلتها إن والدها كان عامل مياومة ولم يكن يجد عملاً مستمراً، “فكان يستدين من أشخاص على معرفة بهم ولكن بعدما ازدادت الديون هرب من المنزل دون أن يخبر أحداً”.
وبعد فترة من انقطاع أخبار الوالد، بدأ الدائنون يطالبون أموالهم، وهو ما أجبر ريم التي لم تتجاوز 20 عاماً للعمل في العتالة رغم صغر سنها.
ولا تحصل العاملات هنا على تعويض مادي في حال تعرضن لإصابات أثناء العمل أو بسببه، كما أن البعض منهن طردن من العمل لمطالبتهن بزيادة أجورهن.
تشير ريم، التي تعمل في تحميل وتفريغ البضائع في محل بشارع الكورنيش، إلى أن مسؤولية إعالة والدتها المريضة وشقيقها الصغير يقع على عاتقها الآن، “فلا معيل آخر للعائلة سواي”.
وتضيف: “كثيراً ما قال لي صاحب العمل إنني صغيرة وجسدي لا يحتمل ولكنني أتحمل مشقة العمل، فلا خيار آخر”.