متجاهلة اقتصادها المنهار.. تركيا تضخ عملتها في مناطق سيطرتها بسوريا

اسطنبول ـ نورث برس

 

في خطوة مثيرة للجدل تحاول تركيا استثمارها لصالحها مستغلة انهيار الاقتصاد السوري في مناطق الشمال القريبة منها لدعم اقتصادها المنهار، وذلك من خلال البدء بضخ العملة المعدنية التركية من فئة "ليرة واحدة" وبكميات كبيرة.

 

وتطرح تلك الخطوة العديد من التساؤلات حول الأهداف البعيدة لتركيا من وراء تلك الخطوة، في وقت تشهد فيه عملتها نزيفاً حاداً أمام العملات الصعبة وخاصة الدولار الذي وصل سعر صرفه إلى /6.80/ ليرة تركية للدولار الواحد، أمس الجمعة.

 

وبدأت الوسائل الإعلامية الموالية لتركيا بالترويج إلى أن مراكز البريد التركي "PTT" في شمال سوريا بدأت تضخ كميات كبيرة من العملة المعدنية (فئة ليرة تركية)، وقالت إن ذلك يأتي تلبية للطلب المتزايد عليها بعد قرارات المجالس المحلية لاستبدال الليرة السورية بالتركية.

 

ولم يقتصر الأمر على ذلك الترويج وحسب، بل سارع رئيس "الحكومة السورية المؤقتة" عبد الرحمن مصطفى، للادعاء في تغريدة على حسابه في "تويتر"، أنه "بعد تسارع انهيار الليرة السورية تم تكثيف اللقاءات مع الأخوة الأتراك لتدارك الأمر والحفاظ على ما تبقى من مدخرات الأخوة المواطنين، باتخاذ الخطوة الأولى في مسيرة ضخ الفئات النقدية الصغيرة من العملة التركية في الشمال المحرر، وهي خطوة ستتبعها المزيد من الخطوات".

 

التغيير الديمغرافي

 

وتعليقاً على ذلك قال المحلل السياسي "ماجد الخطيب" لـ "نورث برس" إن "هذه الخطوة لها بعدين استراتيجيين، الأول أن تركيا تحاول بهذه الخطوة تكريس فكرة تتريك تلك المناطق تمهيداً للاستيلاء عليها وضمها إلى أراضيها مثلما فعلت سابقاً مع لواء اسكندرون وإقليم هاتاي".

 

وتابع أنه "سابقاً، قامت بفرض اللغة التركية في المناطق التي دخلتها في سوريا، من بناء مستوصفات، ومد خطوط الكهرباء وإحداث مكتب للبريد وإدخال خطوط الهاتف النقال، وغير ذلك من ترميم للبنى التحتية، بمعنى يستخدم أردوغان أسلوب الغزو والاستعمار الناعم".

 

أما الأمر الثاني، حسب "الخطيب"، ستفيد هذه الخطوة في "دعم الاقتصاد التركي ولكن ليس كثيراً وليس لأجل طويل، لأن دعم الاقتصاد يحتاج إلى عوامل وظروف اقتصادية يفتقر إليها حالياً الاقتصاد التركي".

 

تداعيات سياسية

 

وتتجاهل تركيا الوجود الروسي والأمريكي على الأرض السورية في خطوتها تلك، الأمر الذي رأى فيه مراقبون أنه قد يولد تداعيات سياسية تحاول تركيا استغلالها وتكون ورقة رابحة تحاول استثمارها لصالحها.

 

وأوضح "الخطيب" أن "هذا الأمر لا يشغل كثيراً بال الروس والحكومة السورية في الوقت الحالي، فمن جهة، الاقتصاد السوري يترنح تحت ضربات قانون سيزر، والحكومة نفسها مهددة بالسقوط، أما بالنسبة للروس فلا تعنيهم كثيراً هذه المسألة لأنهم يدركون تماماً أنه إذا ما عادت تلك المناطق المسيطر عليها من تركيا إلى الحكومة السورية سيسهل إعادة التعامل بالليرة كما كان عليه الحال سابقًا".

 

أما إذا بقيت تلك المناطق خاضعة لسلطة الأتراك "فسيكون ذلك بمقابل ثمن قبضه الروس، وهو يعادل من حيث القيمة السياسية أكبر بكثير من موضوع استبدال عملة مهترئة بعملة أقل اهتراء"، بحسب "الخطيب".

 

وكان "رئيس الحكومة المؤقتة" اعترف في وقت سابق خلال تصريحات إعلامية، أن "هذا المشروع وهذه الدعوات لتبديل العملة السورية بالتركية ليس وليد اللحظة، بل تم العمل عليه أواخر العام 2019، لكنه كان يحتاج لبعض المقومات التي لن توفرها جهة سوى تركيا".

 

وفي هذا الصدد قال الصحفي الكردي السوري "سردار ملا درويش" لـ"نورث برس" إن "القرار المنفذ لصالح تركيا من قبل المعارضة السورية بخصوص التعامل بالليرة التركية في مناطق خاضعة للسيطرة التركية ليس بجديد، لكن يتم شرعنته بالتزامن مع انخفاض الليرة السورية أمام العملات الأجنبية، وتعتقد المعارضة أنها بذلك تساهم في إضعاف النظام".

 

وأضاف أنه "في ظل التحكم التركي بالمناطق المسيطر عليها في سوريا وضخ العملة التركية من فئة الليرة الواحدة عبر مركز البريد التركي PTT الموزع في تلك المناطق، فإن هذا يساهم بتعزيز الاقتصاد التركي المنهار أساساً وذلك بسحب الدولار من المناطق السورية واستبدالها بالليرة التركية كي يعزز الدولار النقص في تركيا".

 

لا خيارات

 

ووسط كل ذلك يقف سكان الشمال السوري بين أمرين كلاهما "مر" سواء على صعيد القبول بالعملة التركية كبديل عن الليرة السورية، أو الاستمرار بتداول الليرة السورية المنهارة، وسط تخوفات من هبوطها مع قرب تطبيق قانون العقوبات "قيصر".

 

وتوضيحاً لتلك النقطة قال الناشط الإعلامي "فادي الإدلبي" أحد سكان منطقة إدلب لـ "نورث برس" إنه "لا يوجد خيارات لدى قاطني الشمال، وهم مجبرون على القبول بأي أمر حتى لو كان معاكساً لمزاجهم، وحالياً الأسعار في أسواق الشمال أقل بنحو /20/ إلى /30/% عن الأسعار في الأسواق التركية، وبالتالي يوجد مخاوف من البعض من انتقال الأسعار في الأسواق التركية إلى أسواق الشمال كونها سترتفع للضعف".

 

وأضاف أن "مشكلة قاطني الشمال تكمن في غياب سوق العملة وانتشار البطالة بشكل كثيف، وهذا ما يزيد من مخاوفهم وعدم قدرتهم على شراء المواد في حال تم تسعيرها بالليرة التركية".

 

انتقادات تركية

 

وعقب بدء ضخ العملة التركية في الشمال السوري، تعالت أصوات المعارضة التركية منتقدة هذا الإجراء ومطالبة "حزب العدالة والتنمية الحاكم" التابع للرئيس رجب طيب أردوغان، بتوضيح حيثيات ما يجري.

 

وقالت عضو حزب "الجيد" المعارض البرلمانية "إلاي أكسوي" في تغريدة على حسابها في "تويتر"، إنه "لماذا ولمن تحول أموالنا إلى هذه المنطقة "بكميات كبيرة"؟، على حزب العدالة والتنمية أن يشرح بشكل أوضح سبب وجوده في المنطقة".

 

والثلاثاء بدأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي بنشر صور قالوا إنها لكميات كبيرة من العملة المعدنية التركية يتم ضخها في عموم مناطق الشمال السوري عن طريق مراكز البريد التركية.

 

والثلاثاء بدأ رواد مواقع التواصل الاجتماعي بنشر صور قالوا إنها لكميات كبيرة من العملة المعدنية التركية يتم ضخها في عموم مناطق الشمال السوري عن طريق مراكز البريد التركية.