دمشق- نورث برس
لا تتمكن فاطمة العبد (40 عاماً)، وهي نازحة من حي القابون بدمشق، من العودة إلى منزلها والاستقرار فيه رغم مرور أكثر من أربعة أعوام على نزوحها.
وتمنع القوات الحكومية منذ سيطرتها على الحي، السكان من العودة إليه في حين تسمح فقط لمن يمتلكون موافقات أمنية وأوراق ثبوتية من الدخول إليه لتفقد ممتلكاتهم دون السكن فيها.
لكن السيدة الأربعينية تبدو غير مقتنعة بمنع الحكومة لنازحين من العودة، “إذ أنها تتحجج بأن المنطقة مليئة بالألغام وأنها غير قابلة للسكن بسبب نسبة الدمار الكبير فيه”.
ويقع حي القابون شمال شرقي دمشق ويبعد عن مركز المدينة أربعة كيلومترات، وتحده من الشرق الغوطة وبلدتا عربين وحرستا والمدينة غرباً ويجاوره أحياء برزة من الشمال وجوبر من الجنوب.
وتنقسم القابون إلى منطقتين، الأولى صناعية وتحوي عدداً كبيراً من المنشآت يصل عددها إلى نحو ألف منشأة وورشة، والثانية سكنية، أغلبها مناطق مخالفات.

وشهد حي القابون منذ بداية الحرب السورية مظاهرات ضد الحكومة السورية، ليصبح فيما بعد مركزاً عسكرياً للمعارضة.
وعام 2016، اضطرت “العبد” للخروج من القابون مع عائلتها بعد اشتداد المعارك الدائرة بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة التي كانت تسيطر على المنطقة آنذاك.
وتحول الحي بعد عدة سنوات من الحرب إلى منطقة منكوبة، وانتهت المعارك بإعلان تسوية وسيطرة القوات الحكومية عليه في أيار/ مايو عام 2017.
وأفضت التسوية إلى نزوح قسم كبير من سكان الحي إلى الشمال السوري ومناطق أخرى في دمشق واعتقال آخرين.
تقول “العيد” مشيرة بيديها إلى تشققات الجدران في منزلها الذي استأجرته في حي القدسيا شمال دمشق: “هذا المنزل لا يصلح للسكن”.
ولكن الأم لطفلين تجد نفسها مضطرة للعيش فيه، “فراتب زوجي الذي يعمل في معمل للألبان والأجبان، لا يكاد يكفي ثمن ما نتناوله”.
مخطط تنظيمي
ورغم صدور عدة قرارات سابقة حول المخطط التنظيمي للحي، إلا أنه لم يتم تنفيذ أي منها حتى الآن مع استمرار اعتراضات أصحاب العقارات على المخطط واتهامهم لمجلس المحافظة والحكومة بمحاولة الاستيلاء على ممتلكات خاصة.
وفي تشرين الثاني/ نوفمبر عام 2018، جاء الإعلان عن المخطط التنظيمي لمنطقة القابون ضمن خطة وضعها مجلس المحافظة لتنظيم مناطق السكن العشوائي المحيطة بمدينة دمشق دون وضع مواعيد محددة لتنفيذ أي من هذه المناطق بعد إعداد مخططاتها.
وفيما بعد تم سحب المخطط التنظيمي للقابون، ولم تصادق وزارة الأشغال العامة ولا رئاسة الحكومة نتيجة الاعتراضات عليه.
وكانت محافظة دمشق، قد أصدرت المخطط التنظيمي رقم 104 بتاريخ حزيران/يونيو 2019، والذي غطى نحو 200 هكتار من مناطق القابون وحرستا وينص على هدم وتنظيم أكثر من 70% من مساحة حي القابون والباقي من مساحة منطقة حرستا.
وقال مصدر في محافظة دمشق، في وقت سابق لنورث برس، إن المخططين التنظيميين للقابون السكني والصناعي، تم تحويلهما إلى منطقة سكنية تجارية، بنسبة 55 بالمائة من مقاسم المشروع سكنية، و36 بالمائة للمشاريع الاستثمارية، وأكثر من 12بالمائة من المقاسم للخدمات التربوية والتعليمية.”
وكان فيصل سرور، عضو المكتب التنفيذي في محافظة دمشق، قد قال في وقت سابق لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية إن المخطط التنظيمي الجديد قد أخذ بعين الاعتبار هوية دمشق كمدينة للخدمات والأموال والاستثمار، وليست مدينة صناعية أو زراعية.
ما يعني إخراج جميع الورشات والمعامل الصناعية، المتوسطة منها والصغيرة، من تلك المناطق التي كانت تُشغّل من سكان المنطقة وتعود ملكيتها لهم بطبيعة الحال.
لا سكن بديل
وتقول إيمان عماد (35 عاماً)، وهو اسم مستعار لنازحة من حي القابون، إن الحكومة استولت على منازلهم وممتلكاتهم بعد سيطرتها على الحي، “واليوم يخضع الحي لمخطط تنظيمي دون أن نحصل حتى على سكن بديل”.
وفي تموز/ يوليو 2021، أعلن مدير الدراسات الفنية في محافظة دمشق، معمر دكاك، أن سكان القابون ومخيم “اليرموك” لن يحصلوا على سكن بديل نتيجة تنظيم المنطقتين وأشار إلى أنه ستكون لهم أسهم تنظيمية.
وأرجع “دكاك” سبب عدم توفير السكن البديل للعبء المالي الكبير الذي وقع على محافظة دمشق من دفع بدل الإيجار للسكان الذين تم إجلاؤهم وعدم تمكنها من تأمين التمويل اللازم لتشييد مساكن.
وفرت “عماد” من منزلها مع أطفالها الثلاثة بعد أن قتل زوجها في عام 2017 على أيدي قوات الحكومة السورية “بحجة ولائه للفصائل المعارضة في المنطقة”.
وقطعت النازحة مع أطفالها، حينها، رحلة استغرقت ثماني ساعات سيراً على الأقدام للوصول إلى منزل أحد أقاربها في حرستا.
وتقول السيدة التي تسكن حالياً في حي قدسيا: “رغم المآسي التي رافقتنا خلال فرارنا من الحي وهول المعارك إلا أني فرحت حين تمكنت من إنقاذ أطفالي والوصول إلى بر الأمان”.
“نجونا من موت مؤكد، فكنا لا نعلم ما تخفيه الأيام في القابون بعد أن تحول الحي إلى ساحة حرب بين القوات الحكومية وفصائل المعارضة”.
وتعاني “عماد” حالياً من ظروف معيشية صعبة وخاصة بعد مقتل زوجها وتحملها عبء العائلة، “أصبحت الحياة صعبة بعد النزوح، أنا المسؤولة عن كل شيء يخص أسرتي وللأسف ليس لدي أي عمل أكسب منه لألبي احتياجاتهم”.
وكانت عناصر المعارضة يتعمدون اتخاذ المدنيين كدروع بشرية أما لإنقاذ أرواحهم أو للوصول إلى بعض نقاط القوات الحكومية، في حين كان الجيش السوري بالتعاون مع القوات الروسية يقصف الحي بدون رحمة، بحسب قول “عماد”.
تقول المرأة الثلاثينية: “لست مع هذا أو ذاك، في النهاية كنا ضحايا هذه الحرب، فمنازلنا تدمرت وشرد أطفالنا”.
وتتحسر النازحة على أيام خلت، “لقد كنا نعيش سابقاً حياة هانئة ومريحة كأسرة واحدة ولم نكن نفتقد أي شيء وكل ما نحلم به الآن هو أن نعيش في أمان”.