جسر رئيس في الرقة خارج الخدمة وخارج خطط الصيانة

الرقة- نورث برس

يضطر عمار طه (35 عاماً) لترك الشاحنة التي يعمل عليها في الرقة شمالي سوريا، عندما يعود ليلاً لمنزله في حويجة السوافي، ثلاث كيلو مترات جنوب المدينة، لأن الجسر الجديد (الرشيد) مدمر والقديم (المنصور) غير مخصص لمرور الشاحنات الكبيرة.

ويبقى السائق، الذي يعمل في نقل الخضروات ومواد أخرى من منبج والطبقة إلى الرقة، قلقاً على سيارته حتى صباح اليوم التالي.

ورغم أن وزن شاحنته (من نوع أنتر) الفارغة أقل من أربعة أطنان، لكنه لا يستطيع عبور جسر المنصور لأن بلدية الشعب في الرقة وضعت أقواساً حديدية على الجسر (بمثابة مقياس  لأحجام السيارات) لمنع مرور المركبات الكبيرة تحتها.

ويضطر سائقو شاحنات في الرقة وريفها من قطع مسافات طويلة بسبب خروج جسر الرشيد عن الخدمة، والذي يعتبر من أهم الجسور على نهر الفرات ويربط المدينة بأريافها الجنوبية والغربية والشرقية.

ويقع جسر الرشيد بطول 525 متراً وعرض 13 متراً، في الطرف الجنوبي الغربي من مدينة الرقة، فيما يقع جسر المنصور في الطرف الجنوبي من مركز المدينة.

وفي كانون الثاني/يناير عام 2017، خرج جسر الرشيد، الذي شيد في ستينيات القرن الماضي، عن الخدمة كلياً خلال معارك طرد تنظيم الدولة الإسلامية (داعش) من المدينة على يد قوات سوريا الديمقراطية وبدعم من قوات التحالف الدولي.

 وسبق أن تعرض الجسر لقصف من الطيران الروسي في تشرين الثاني/ نوفمبر 2015 وتسبب بدمار جزئي فيه.

وفي حزيران/يونيو عام 2019، أنهت لجنة الإدارة المحلية والبلديات بمجلس الرقة المدني ترميم جسر المنصور، إلا أنه غير صالح لمرور السيارات التي تتجاوز وزن حمولتها أربعة أطنان، وذلك بسبب قدمه وانتهاء عمره الافتراضي، بحسب “اللجنة”.

مسافات وتكاليف

ويضطر سكان نحو 15 قرية في ريف الرقة الجنوبي من موظفين ومرضى وقاصدي الأسواق وآخرين للمرور عبر جسر المنصور رغم قربهم من جسر الرشيد.

ويرى “طه” أن على الإدارة الذاتية أو المنظمات الدولية إعادة تأهيل الجسر لتخفيف تكاليف النقل لمئات الآلاف من السكان في الريف الجنوبي الذي أغلقت فيه أيضاً المطاعم والاستراحات رغم كونه وجهة سياحية قبل خروج الجسر عن الخدمة.

أما الآن، فيضطر علي داوود (39 عاماً) لقطع مسافة طويلة في كل مرة لنقل حمولته من محاصيل الذرة الصفراء من قرى الريف الجنوبي.

يقول لنورث برس إن قطع مسافات طويلة للوصول إلى الطرف الثاني من النهر يزيد المصاريف على أصحاب النقليات ويهدر وقتاً من أصحاب الشاحنات.

ويشهد جسر المنصور ازدحاماً متواصلاً من انتقال السكان عبره من وإلى المدينة، لأنه الطريق الوحيد الواصل بين المدينة والريف الجنوبي على نهر الفرات.

وتلجأ شاحنات الحمولة للطريق القديم بين الرقة والطبقة مروراً بجسر سد البعث (كديران)، 35 كيلومتراً غرب الرقة، فتقطع المسافة ذاتها من الطرف الآخر لنهر الفرات للوصول إلى الريف الجنوبي الذي يبعد 15 كيلومتراً فقط عن المدينة.

جسور أخرى

ويقع على نهر الفرات داخل الأراضي السورية 26 جسراً رئيساً تتوزع على امتداد مجرى النهر من نقطة دخوله لسوريا في بلدة “جرابلس” شمالاً وحتى نقطة خروجه للأراضي العراقية قرب بلدة “البوكمال” جنوباً، بالإضافة لعشرات العبارات والجسور الصغيرة التي أقيمت فوق فروع النهر والوديان المجاورة.

وتضم مدينة الرقة وريفها نحو 130 جسراً، من ضمنها سدا الفرات والبعث (كديران)، دُمِر منها 60 جسراً بشكل كليّ أو جزئي جراء قصف قوات التحالف الدولي أو بفعل مفخخات تنظيم “داعش”، بحسب “لجنة الإدارة المحلية”.

وما تزال هناك عدة جسور في الرقة وريفها خارج الخدمة، ومنها جسر الرشيد في المدينة، وجسر اليمامة وسحل الخشب في الريف الغربي، والرجم الأبيض في الريف الشمالي الغربي، وتل السمن في الريف الشمالي.

أعمال تتضرر

يقول “داوود” إنه لا يمكنهم العبور على جسر الرقة القديم لأنه لا يمكنه تحمل الأوزان الزائدة التي تنقلها الشاحنات من البضائع، والجسر الجديد مدمر، وهذا يزيد الأمر تعقيداً وجهداً ومصاريف إضافية.

وعدم تأهيل الجسر الجديد من اللجان الخدمية وتجاهله يزيد من معاناة السكان والسائقين بشكل يومي مع منع الحمولات الثقيلة المرور على الجسر الآخر، وهذا يعطل الكثير من الأعمال التي تكون مصدر كسب لعائلات، بحسب “داوود”.

وقال “محمد الهنداوي” (46 عاماً) وهو تاجر مواد زراعية في الرقة، إن شراء محاصيل  مزارعي منطقة الكسرات يحتاج لجهد وتكاليف إضافية للنقل.

ويحسم التجار نحو 150 ألف ليرة سورية من كل شحنة كأجرة الطريق الطويل، وهو ما يعادل ضعف قيمة النقل الافتراضية لو كان الجسر مؤهلاً.

لا إمكانات محلية

وقالت شيرين علي، وهي الرئيسة المشاركة للجنة الإدارة المحلية والبلديات في مجلس الرقة المدني، إن العمل في النهر يحتاج لتقنيات خاصة وآليات عملاقة وحديثة مثل الروافع العالية، والإسمنت سريع التصلب، “وهذه الإمكانات غير متوفرة لدى اللجنة”.

وأضافت، لنورث برس، أنه ليس هناك خطة لتأهيل الجسر في موازنة العام 2022، لأن الظروف التي تمر بها المنطقة جعلت الموازنات الاستثمارية قليلة قياساً بالسنوات السابقة.

ويتألف الجسر الجديد من ستة مجازات طول كل منها 36 متراً، وتقدر التكاليف التقديرية اللازمة للصيانة بحسب الدراسات بنحو تسعة ملايين دولار أميركي، بحسب “لجنة الإدارة المحلية والبلديات”.

وفي السادس عشر من 2021، كانت الإدارة الذاتيّة لشمال وشرق سوريا قد خصصت 80 مليون دولار أميركي كموازنة استثمارية للعام 2022، 70 بالمائة منها للإدارات الذاتيّة والمدنيّة و30 بالمائة للإدارة الذاتيّة في شمال وشرق سوريا.

ولا تتوفر خبرات هندسية محلية كافية لتأهيل الجسر الاستراتيجي، ويحتاج الترميم لشركات هندسية على مستويات عالمية وتقنيات عالية، بحسب “لجنة الإدارة المحلية”.

إعداد: عمار حيدر – تحرير: عمر علوش