تل أبيض ورأس العين خلال 2021.. ظهور جهاديين وانتهاكات لم يتم إحصاؤها

تل تمر – نورث برس

حمل عام 2021 الكثير من التطورات في منطقتي سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض الخاضعتين لسيطرة القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة الموالية لها شمالي سوريا، أبرزها ازدياد الانتهاكات التي لم تتمكن المنظمات الحقوقية من توثيق جميعها وظهور تنظيمي ‘‘القاعدة’’ والدولة الإسلامية (داعش).

وخلال العام، قامت واشنطن بتوجيه ضربات ضد قادة تنظيم ‘‘داعش’’ بريف مدينة سري كانيه، ما اعتبره ناشطون دليلاً على تورط تركيا أكثر في دعم الجماعات الإرهابية في سوريا.

وسيطرت تركيا بمشاركة فصائل سورية مسلحة موالية لها على منطقتي سري كانيه وتل أبيض في التاسع من تشرين الأول / أكتوبر 2019، بعد عملية عسكرية أطلق عليها ‘‘نبع السلام’’ وتسببت بنزوح ما يقارب 300 ألف شخص، وفق تقارير حقوقية.

قتل واختطاف وانفجارات

وتشير الإحصائيات إلى تصاعد عدد حوادث القتل والاختطاف والنهب، بالإضافة إلى سوء الأوضاع المعيشية وانتشار البطالة.

وكشف تقرير حديث لمكتب التوثيق في إقليم الفرات (تقسيم للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا)، صدر في الرابع من كانون الأول/ديسمبر، عن أعداد دلت على ازدياد الانتهاكات والحوادث الأمنية في مدينة تل أبيض خلال العام 2021.

وقال فتاح كردو، وهو الرئيس المشارك للمكتب، في تصريح لـنورث برس، عن توثيق 150 حالة قتل من ضمنها 15 طفلاً و 25 امرأة منذ بداية العام.

واستناداً على تقارير سابقة نشرتها وكالة نورث برس، فإن مدينة سري كانيه شهدت بدورها أكثر من 50 حالة قتل وأكثر من 75 إصابة للمدنيين، بينهم أطفال ونساء، وفقد كثير منهم حياته جراء الاقتتال الداخلي بين الفصائل المسلحة ضمن المناطق السكنية.

كما فقد مدنيون آخرون حياتهم تحت التعذيب ضمن سجون الفصائل، حيث انتشر مقطع مصور على مواقع التواصل الاجتماعي، في شهر أيلول/سبتمبر الماضي، لجثة شاب يدعى حكمت خليل الدعّار المنحدر من دير الزور، وعلى جسده آثار تعذيب.

وقال أورهان كمال، وهو ناشط صحفي ينحدر من مدينة سري كانيه، إن ‘‘ستة أشخاص على الأقل قضوا تحت التعذيب في سري كانيه وتل أبيض منذ سيطرة الفصائل على المدينتين’’.

كما وثقت نورث برس، بالاعتماد على مصادر محلية، أكثر من 75 حالة اعتقال واختطاف على يد فصائل المعارضة بشكل كيدي وبذرائع التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية والتحالف الدولي.

ونقلت تركيا نحو 40 شخصاً في فترات متفرقة خلال العام إلى أراضيها، وحكمت عليهم بالسجن لمدد تتراوح ما بين خمسة أعوام و36 عاماً.

وقال ‘‘كردو’’ إن فصائل المعارضة الموالية لأنقرة، اعتقلت 150 شخصاً بينهم 40 امرأة في تل أبيض، أطلق سراح بعضهم مقابل فدى مالية.

وفي شباط /فبراير الماضي، قال تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش إن ‘‘تركيا والجيش الوطني السوري اعتقلا ونقلا بشكل غير شرعي 63 مواطناً سورياً على الأقل من شمال شرقي سوريا إلى تركيا لمحاكمتهم على خلفية تهم خطيرة قد تزجهم في السجن المؤبد”.

تدهور معيشي وأمني

كما حدثت أكثر من عشرة انفجارات في المنطقتين، أضخمها جرى في شهر آذار / مارس بالقرب من مقر الشرطة المدنية بمدينة سري كانيه، وأسفر عن مقتل 11 شخصاً وجرح ستة أخرين بجروح متفاوتة الخطورة.

وحصلت نورث برس على معلومات من مصادر محلية حول قيام فصائل المعارضة والقوات التركية بمساعدة خبراء من تركيا بنبش والتنقيب في التلال الأثرية أبرزها تل حلف الذي يعود تاريخه إلى ستة آلاف عام قبل الميلاد.

وفي أيار/ مايو، قام مسلحو فصيل ‘‘الشرطة العسكرية’’ التابعة للمعارضة المسلحة، باغتصاب جماعي لشابة تبلغ من العمر 20 عاماً وتنحدر من مدينة الرقة، كانت محتجزة في سجون الفصيل طوال ثلاثة أشهر.

وكانت الشابة قد اختطفت في مدينة تل أبيض أثناء محاولة زيارة ذويها في مدينة الرقة قادمة من تركيا عبر البوابة الحدودية بتل أبيض، بتهمة التعامل مع قوات سوريا الديمقراطية.

وشهدت منطقتا سري كانيه وتل أبيض خلال العام 2021 تظاهرات واحتجاجات على خلفية سوء الوضع المعيشي وانتشار البطالة التي باتت السمة البارزة لهذه المناطق وسط توجيه اتهامات للمجالس المحلية التي أنشأتها تركيا بالفساد.

ويعاني سكان المنطقة التي تسيطر تركيا في شمالي سوريا، أوضاعاً معيشية صعبة وغلاء فاحشاً لكافة المواد الأساسية.

ومع الانهيار الأخير لليرة التركية، وصل سعر برميل المازوت للتدفئة في منطقتي تل أبيض وسري كانيه إلى 500 ألف ليرة سورية، ما دفع بكثيرين للجوء إلى البحث عن بدائل كالحطب وجمع قطع النايلون رغم مخاطرها الصحية.

سرقات ممنهجة

وفي ظل هذه الانتهاكات، استمرت أعمال النهب والسلب من قبل الفصائل المعارضة المسلحة في مناطق سيطرتها وخاصة في مدينة سري كانيه وريفها.

وبعد افراغ المنطقة الصناعية في سري كانيه والتي كانت تعتبر من أكبر الأسواق الصناعية في الجزيرة السورية من محتوياتها ونقلها إلى تركيا وبيعها، وسرقة كافة منازل السكان المهجرين قسراً من منازلهم، يتهم حقوقيون وإعلاميون وسكان محليون الفصائل بالاستمرار في نهب ممتلكاتهم.

وأوخر تشرين الثاني/ نوفمبر الفائت، أعلن المجلس المحلي في سري كانيه عن بيع سبائك ألمنيوم في مزاد علني أمام التجار، ما رآه ناشطون محليون تورطاً في قوننة أعمال النهب والسرقة وتسهيلات لتصريف المسروقات.

ووفق رابطة ‘‘تآزر’’، وهي تجمع لصحفيين وحقوقيين وباحثين من سري كانيه وتل أبيض، فإن ‘‘السبائك التي أعلن عنها المحلي هي نتاج صهر مسروقات من مادة الألمنيوم وغيرها من المعادن ليسهل بيعها إلى التجار بالكيلوغرامات والأطنان’’.

وفي الثلاثين من الشهر نفسه، نشرت إحدى الحسابات المقربة من المعارضة على تطبيق ‘‘تلغرام’’ صوراً لأدوات ري وزراعة قيل إنها بعد فك ونهب محطة الري في قرية الأهراس من قبل فصيل ‘‘الرحمن’’، بالإضافة لتفكيك صوامع قرية المناجير وبيع مولدة فرنها الآلي.

مقتل قادة للقاعدة وداعش

ولعل أبرز الأحداث التي شهدتها مناطق سيطرة القوات التركية في شمالي سوريا، خلال العام 2021، هو مقتل قياديين اثنين في تنظيمي القاعدة و‘‘داعش’’ المصنفين عالمياً كإرهابيين، وذلك في المنطقة الممتدة بين سري كانيه وتل أبيض والتي كان يزعم الرئيس التركي، أردوغان، إنشاء “منطقة أمنة” فيها.

وأعلنت القيادة الأميركية في الثالث والعشرين من تشرين الأول/ أكتوبر، عن تصفية القيادي في تنظيم القاعدة ‘‘عبدالحميد مطر’’ بضربة جوية، في مفرق عربيد بريف بلدة سلوك  20كيلومتراً شرق تل أبيض.

وقالت القيادة الأميركية إن ‘‘التخلص من القيادي البارز في تنظيم القاعدة سيقوض قدرة التنظيم الإرهابي على التخطيط للمزيد من الهجمات العالمية التي تهدد المواطنين الأميركيين وشركاءنا والمدنيين الأبرياء وتنفيذها’’.

وعقب ذلك بيومين، قال مصدر مطلع لـنورث برس، إن طائرة بدون طيار، يعتقد أنها أميركية، استهدفت القيادي البارز في تنظيم “داعش” صباحي الإبراهيم المصلح والملقب بـ ‘‘أبو حمزة الشحيل’’، في قرية العدوانية بريف سري كانيه.

وقال فرهاد شامي، وهو مدير المكتب الإعلامي لقوات سوريا الديمقراطية، في تغريدة على تويتر آنذاك، إن ‘‘الشحيل’’ يعتبر أحد أعضاء مجلس الشورى في تنظيم “داعش”، وفر من دير الزور بعد سيطرة قوات سوريا الديمقراطية على المنطقة.

وسبق أن شهدت مدينة سري كانيه رفع أعلام تنظيم داعش أثناء احتجاج للسكان بموقف الرئاسة الفرنسية من رسوم كاريكاتيرية طالت النبي محمد، في تشرين الأول/أكتوبر عام 2020.

قادة للمعارضة على لائحة العقوبات

وفي تطور لافت، أعلنت وزارة الخزانة الأميركية، في الثامن والعشرين من تموز/ يوليو الماضي، عن حزمة جديدة من العقوبات استهدفت كيانات تابعة لأجهزة المخابرات السورية وفصيل سوري (أحرار الشرقية) موال لتركيا.

وفرضت واشنطن عقوبات على فصيل “أحرار الشرقية” أكبر الفصائل المتشددة التي تسيطر على منطقتي سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض وريف حلب، لارتكاب عناصره وقادته انتهاكات خطيرة لحقوق الإنسان، بما في ذلك عمليات خطف وقتل وتعذيب.

ويُتهم قائد الفصيل المدعو أحمد إحسان فياض الهايس الملقب بـ “أبو حاتم الشقرا” بقتل السياسية الكردية هفرين خلف ومرافقين لها، والتمثيل بجثثهم عام 2019، إلى جانب إعدام معتقلين، ودمج عناصر تنظيم “داعش” السابقين في صفوف فصيله.

واعتبر مركز “الدفاع عن الديمقراطية” الأميركي، العقوبات المطبقة على فصيل أحرار الشرقية من قبل وزارة الخزانة الأميركية، ‘‘حقبة جديدة من المعالجة الأميركية لدعم أنقرة للمتطرفين’’.

إعداد: دلسوز يوسف- تحرير: حكيم أحمد