دمشق – نورث برس
يراقب ماهر برجس (53 عاماً) وهو اسم مستعار لطبيب تخدير يعمل في مشفى حكومي بدمشق، الإشارات الحيوية لمريض يخضع لعملية جراحية في غرفة العمليات، بينما يدوي نداء باسمه في مبنى المشفى تدعوه للتوجه إلى قسم الإسعاف ولكنه لا يتمكن من تلبية النداء.
ويقول الطبيب، “هنا تكمن المشكلة، فمغادرتي لغرفة العمليات ستعرضني للمساءلة وعدم ذهابي إلى قسم الإسعاف أيضاً سيجعلني في وجه المدفع مع ذوي المريض الذين يظنون أن عدم تلبيتي لنداء هو سبب تراجع حالة مريضهم أو وفاته”.
ويشير إلى أن عدد غرف العمليات تعادل أربعة أضعاف عدد أطباء التخدير في المشفى الذي يعمل به وغيره من المشافي السورية.
وتشهد سوريا تراجع أعداد الأطباء نتيجة هجرة غالبيتهم والسفر للعمل في الخارج، بهدف تحسين دخلهم والبحث عن ظروفٍ أفضل للعيش.
ويعمل في المشافي العامة والخاصة في سوريا 500 طبيب تخدير فقط، في حين تحتاج البلاد إلى 1500 طبيب تخدير على الأقل لتغطية جزء من النقص، وفقاً لما أفادت به رئيسة رابطة التخدير وتدبير الألم في نقابة الأطباء التابعة للحكومة السورية، زبيدة شموط لصحيفة “الوطن” شبه الرسمية، الجمعة الماضي.
وأشارت رئيسة رابطة التخدير حينها إلى أنّ معظم أطباء التخدير ينتمون إلى الفئة العمرية ما بين 55 إلى 65 عاماً، أي أنهم في مرحلة التقاعد.
وأضافت: “لا يوجد مقيمون منهم سوى أربعة أطباء وكل من سيتخرج حالياً من المتوقع أن يغادر البلاد وبالتالي نحن في تدهور مستمر”.
وحذرت “شموط” من أنّ تناقص أعداد أطباء التخدير، “سيؤدي في نهاية المطاف إلى عدم إمكانية إجراء أي عمل جراحي”.
وقالت إن مشفى الزهراوي ومشفى التوليد الجامعي في دمشق، ليس فيهما أطباء تخدير ويتم تخديمهما عبر مناوبات من مشفيي المواساة والأسد الجامعي.
“مظلومون مهنياً”
وفي أيلول/ سبتمبر الماضي، حذرت رئيسة رابطة التخدير أيضاً من أن البلاد دخلت دائرة الخطر، مع غياب كامل لوجود أطباء تخدير في بعض المحافظات.
ونقلت صحيفة البعث الرسمية حينها عن “شموط” قولها: “طبعاً ما حدا سائل، نحن اليوم نضرب أخماساً بأسداس، والمعنيون لا يستشعرون حجم الخطر بسبب وجود أطباء يغطون النقص الحاصل في أكثر من مشفى، على الرغم من أن هذا الأمر مخالف للقانون”.
وباتت مشاف مركزية حكومية تابعة للتعليم والصحة تفقد أطباء التخدير وتعاني من نقصٍ واضحٍ جداً كـ “المجتهد” الذي يحوي 13 غرفة عمليات.
ويحمل “برجس” وزارة الصحة السورية مسؤولية عزوف الطلاب عن اختصاص التخدير رغم أهميته الكبرى.
ويضيف: “طبيب التخدير مظلوم مهنياً، فهو لا يحظى بيئة مناسبة للعمل ولا يتلقى مردوداً مادياً يناسب حجم ضغط العمل وصعوبته، فنحن لا نتقاضى سوى 150 ألف ليرة سورية فقط”.
ويتساءل: “لماذا المدح والشكر يكون فقط للجراح عند نجاح أي عملية؟ وليس لطبيب التخدير الذي تكون مهمته شاقة وفي غاية الخطورة، ولماذا يكون طبيب التخدير المتهم الأول عند فشل العملية؟”.
ويشير “برجس” إلى أن أطباء التخدير لا يملكون الوقت لترتيب حياتهم العائلية والاجتماعية بسبب عددهم القليل وتبعيتهم لنظام العمليات، الأمر الذي يعرضهم للكثير من الإرهاق النفسي والجسدي.
ويعبر عن استيائه: “رغم جمالية وأهمية الأداء المهني لهذا الاختصاص، إلا أننا فقدنا متعة الأداء بالكامل”.
“المريض هو الضحية”
ويتمنى محمد سليمان، وهو اسم مستعار لطبيب تخدير يعمل في مشفى حكومي بدمشق، أن يأخذ اختصاص التخدير مكانته التي يستحقها على الأقل بشكل مشابه لدول المتطورة.
ويقول: “على الرغم من الدور الرئيس لطبيب التخدير في العمل الطبي، إلا أن هناك نظرة دونية للاختصاص من قبل وزارة الصحة وزملائنا الأطباء من الاختصاصات الأخرى”.
ويصف “سليمان” الوضع بـ “الكارثي والخطر”، حيث أن قلة أطباء التخدير يوثر سلباً على جودة عملهم بسبب الضغط لـ 24 ساعة متواصلة وأيضاً يؤدي إلى خفض عدد العمليات التي يمكن إجراؤها، “وبالتالي يكون المريض هو الضحية”.
ووفقاً لأطباء تخدير، فإن سوريا ما زالت بحاجة إلى مواكبة التطورات والبرتوكولات العالمية الحديثة في هذا المجال، إضافة إلى ضرورة زيادة أعداد أطباء التخدير وذلك بزيادة الحوافز المادية والمعنوية لمنعهم من الهجرة ولجذب الطلبة الجدد لدراسة هذا الاختصاص.
ويرى هؤلاء أن إهمال وزارة الصحة والعجز الحكومي عن دراسة واقع هذا الاختصاص بصورة منهجية وعلمية وعدم تمكنها من وضع حلول جذرية وطويلة الأمد، زاد.
وتحمل مهنة التخدير الكثير من المخاطر والمجازفة، فأطباء التخدير هم المسؤولون بالدرجة الأول عن سلامة المريض، “وهذا سبب أخر يجعل الكثير من الطلبة يتوجهون إلى الاختصاصات الأخرى خوفاً من تعريض المريض لمضاعفات أو موت أثناء التخدير”، بحسب “سليمان”.
ويوافق “سليمان” زميله السابق في الرأي، بأن وزارة الصحة هي المسؤولة الأولى والأخيرة في التقصير تجاههم، “لأنها لا تمنحهم حقوقهم أو حتى القليل من المميزات التي تمنحها للأطباء في الاختصاصات الأخرى”.
وبحسرة يضيف: “نخفف الآلام عن المرضى ولكن لا أحد يخفف عنا معاناتنا أو يكترث لحالنا، الجميع يستغلنا”.