كوفيد وتيار المؤامرة

يطلق عليهم  أسم  “تيار المؤامرة” أو المتأمرون و هم يعتمدون بتفكيرهم نظرية المؤامرة لتحليلهم للأمور التي تجري من حولهم.

هم فئة لا بأس بها من الناس لا ينتمون لحزب او لتنظيم معين و لا قيادات فكرية لديهم، لكنهم أفراد و مجموعات تجمعهم من حين لحين فكرة، حاليا يتفقون على فكرة أن اللقاح ضد الكوفيد خدعة و أن الكوفيد و متحولاته أيضًا خدعة! 

هم مقتنعين بأن الحكومات في الغرب الديمقراطي  أو النخب بشكل عام  تعمل كلها على تنفيذ أجندات سرية و مؤامرة ما ضد البشرية.

نجدهم بين  المتعلمين و بين الأميين البسطاء على حد السواء لا علاقة للثقافة وللعلم بتلك الفكرة التآمرية، كلهم  مقتنعين بأنهم عليهم رفض اللقاح بل و مقاومته لأنه يخفي شيئًا ما.

رغم كافة المؤشرات التي تثبت بأن اللقاح خفف من انتشار الوباء و حد من الإصابات و العدوى ، هم باقين متمسكين بموقفهم المعارض للحكومة و للسياسيين بفرضهم للقاح كحل.

المتأمرون نجدهم بكثرة لدى المتدينين من كافة الأديان و لكن نجدهم أيضًا لدى الملحدين، نجدهم لدى دعاة رفض استقبال اللاجئين في أوروبا و كذلك نجدهم بين هؤلاء اللذين يعتبرون أنفسهم معنيين بمعاناة الشعوب الفقيرة و يناضلون من أجل عدالة عالمية شاملة .. المتأمرون قد يكونوا يمينيين أو  يساريين لا علاقة للقناعات بالأمر، يلتقون فقط في فكرة أن هناك مؤامرة ما تحاك من خلفنا بالسر ضد البشرية من قبل  المتحكمين بالسياسة و الاقتصاد.

أن يفكر البعض بتلك الطريقة هذا لم يزعج أحد لحد اليوم فهذا التيار قديم موجود في كل مكان،  كثيرين كانوا و ما زالوا يطلقون العنان لخيالهم في هذا الشأن و لدى كافة الثقافات و لم يكن ليزعج أحد.

في الواقع هكذا نوع من التفكير يعطي للشك مساحة كبيرة و هو  كان و سيبقى متواجد بين البشر لكنه في أزمة الكوفيد  يعتبر مكلف نوعًا على المجتمع و على البشرية لكون دعاته  يرفضون اللقاح . بعبارة أخرى يراهم البعض للمرة الاولى (خصوصًا في الغرب )عبئ على المجتمع .

المسألة اقتصادية و اجتماعية و لم تعد سياسية فقط ففي عدم التلقيح خطر حقيقي. لكن العواقب السياسية و الاقتصادية متفاوتة من مكان لأخر.

في دول كفرنسا و المانيا و السويد مثلًا  حيث ضرائب الأفراد تمول خزينة الضمان الصحي بشكل واسع ، و حيث التطبيب مجاني بأرقى المستويات للجميع ، تعتبر أزمة الكوفيد مكلفة للدولة بشكل واسع و لا يقتصر الأمر  على صندوق الضمان الصحي :

عندما أصيب عدد كبير من السكان بالكوفيد و استدعى الأمر لرصد مبالغ هائلة من خزينة الدولة لتمويل اللقاح و أعداد اضافية من الطواقم الطبية و اجهزة مكلفة كتلك المعدة للتنفس و الغرف، رافق هذا التمويل تمويل أخر رصد لمرحلة الحجر الصحي أي ما رافق تعطيل الحركة الاقتصادية حينها ، حيث مولت الحكومة رواتب  شهرية دون مقابل و مساعدات ضخمة للشركات لكي لا تشهر افلاسها ، كل هذا كان من خزينة الدولة . بالتالي الكلفة لم تكن فقط صحية.

اكتشف البعض حينها في الدول الغنية أن لصندوق الدولة حدود. بينما كان اغلب المواطنين يفكرون  دولهم غنية لدرجة عدم الاكتراث بموضوع التمويل المجاني . ظهر الفارق الشاسع بين الظروف التي رافقت مواجهة الأزمة في الدول الفقيرة و تلك التي رافقتها في الدول الغنية.

لا تستطيع الحكومة  في الدول الفاشلة أن تتحمل اعباء تأمين الحد الأدنى من مستوى العيش فلا يوجد نظام بطالة او صندوق ضمان صحي، و أما الحياة المرفهة هناك فهي محظورة على فئة أمنت هذا لذاتها باحتكار  ملتزمة بقانون الغابة السائد  لقربها من السلطة التي تحكم عسكريًا و لا تدير ، في تلك الدول نظرية المؤامرة لا مكان لها ، و هي غير مطروحة فلا أحد يجرؤ ان يناقش الحكومات  بكيفية إدارة الأزمة  ..

هناك في الدول الفاشلة أزمة الكوفيد هي مجرد أزمة جديدة ربما أصغر من غيرها . و الحكومة في الدول الفاشلة  لا تملك في خزينتها ثمن ادارة الأزمات.  بعض أفرادها ينهبون الخزينة و الفساد يمنع المراقبة . و لا يبقى الا البوط العسكري و العنف كوسيلة أخيرة لضبط السخط. المواطن في الدول الفقيرة معتاد على تدخل أجهزة الأمن بابسط تفاصيله و معتاد على الإلزام و الضوابط القسرية حتى على فكره.

بالمقارنة ، المواطن الغربي اعتاد على مساحات شاسعة من الحريات بالتالي هو يعيش اللقاح الإلزامي رغم ضرورته على أنه تحديد لحريته تماما كما عاش الحجر الصحي على أنه سجن ، لقد كان تدخل الدولة شيء جديد على المواطن الغربي ، و ربما لهذا بدت المسألة تعسفية لاصحاب نظرية المؤامرة فما كان إلا أن تمردوا رافضين الضوابط.

لربما يبدوا تمردهم هذا بنظر الشعوب الفقيرة ترف غير مألوف  نوعًا ما ، مقارنةً بما نعرفه عن حياة الناس و معاناتها في في بعض دول العالم الثالث .

نعم هي ترف بالنسبة لشعوب لا تستطيع حكوماتها تأمين الوقاية و على سبيل المثال في بداية الأزمة من على التلفزيون السوري الرسمي كانت احدى المذيعات تتجول في الشوارع و توبخ الناس لكونهم بلا كمامات و حين اجابها احدهم ل«ا املك ثمنها » أجابته يجب ان تصنعها بنفسك !

في الحقيقة كانوا الناس في التلفزيون يبدون حقاً لا مبالين ، هذا حتمًا لكونهم يواجهون  الموت منذ سنوات بطرق أعنف.

تفشى الكوفيد بشكل كبير في الدول الفقيرة حاصدًا الكثير من ارواح البشر دون إحصاءات و شفافية بالتعامل رسمياً. ه وضح الهوة الحضارية بين النظام الصحي في بلاد العالم الثالث و بين ذاك المتوفر في الدول الغنية و كشف الفروقات بينهم بشكل مروع.

الحجر  الصحي في الدول الفقيرة يعني مجاعات ،اذ من لا يعمل لا يصله راتبه للبيت و لا احد يدفع ثمن علاجه لو مرض.

هذا الواقع الذي نعرفه نحن عن قرب في دول العالم الثالث الفقيرة ، يعتبره المتأمرون الغربيين من ضمن عملية المؤامرة على الشعوب و لا يصدقون بأن هناك أناس تموت في العالم الثالث دون امكانية انقاذها بالمتوفر من العلاج . هم يعتبرون بأن الكوفيد بحد ذاته مؤامرة.

هولاء الذين يفكرون بهذه الطريقة رافضين اللقاح ناكرين وجود كارثة صحية عالمية ،اصبحوا في الغرب مصنفين  بالأنانيين و الخطرين على غيرهم لأسباب وجيهة :  فحين يصاب أحدهم  بالكوفيد لكونه رفض اللقاح يستنزف خزينة الدولة و يصرف من ضرائب المواطنين الملقحين بالتالي هؤلاء يكلفون الدولة ثمن علاجهم  و ثمن معاشهم لتوقفهم عن العمل…

من هنا أتت فكرة اللقاح الإلزامي مع جواز سفر و تحرك صحي . من لم يتلقح لا يتحرك لا يدخل المكانات العامة و لا يسافر.

رغم كون هذا الموضوع يعتبر أمني من الناحية الصحية و غير سياسي الا أن السياسيين في الغرب في تنافسهم في مرحلة الإنتخابات  في الدول الديمقراطية استحوذوا على الموضوع ، البعض يطرح في برنامجه التشدد و البعض يود كسب ود المتآمرون لينتخبوه .. اصوات قليلة تحدث الفارق خصوصًا عندما يكون هامش الحريات كبير و عدد المترشحين أيضا

بالنهاية للمتآمرين وجوه عديدة و افكار مختلفة البعض ما زال يظن بن لادن حي و كذلك يتحدث عن القوى الخفية التي تحكم العالم ..

بالنهاية من يملك الحقيقة ؟ و هل هم حقًا شعوبيين ؟