دمشق- نورث برس
يتفقد رضوان سمير (54 عاماً) قطعة النايلون التي تغطي بضاعته القليلة لحمايتها من المطر الذي تدفعه الريح إلى داخل كشكه المخصص لبيع المنتجات الغذائية في مشروع دمر بالعاصمة دمشق.
يقول إن الكشك الصغير يعيل عائلته المؤلفة من ستة أشخاص بينهم طفلان مريضان، “ولكنه سيُزال قريباً ويزول معه دخل عائلة”.
ومع اقتراب رأس السنة، أثار قرار حكومي بإزالة الأكشاك مطلع العام الجديد القلق بين العاملين فيها، إذ سيواجهون صعوبات كثيرة لإيجاد عمل آخر قد لا يدر ما يجنونه من عملهم كباعة أكشاك.
ومنذ أسبوع، أصدر وزير الإدارة المحلية حسين مخلوف قراراً بتنفيذ إزالة الأكشاك مطلع العام القادم والذي يصادف السبت المقبل.
ونص القرار، الذي تداولت صورته حسابات على مواقع التواصل الاجتماعي، على إزالة الأكشاك وفق تعميم سابق.
واستثنى “جرحى الحرب وذوي الشهداء”، الذين سيُسمح لهم بتمديد رخصة الإشغال لمدة سنة واحدة فقط غير قابلة للتجديد.
ويعتبر انتشار الأكشاك ظاهرة قديمة في دمشق، ولكنها شهدت ازدياداً بسبب تداعيات الحرب السورية التي تسببت بفقدان الكثير من الأشخاص لوظائفهم وأعمالهم، أو اتخاذها كعمل إضافي لموظفي الحكومة الذين فقدت رواتبهم قيمتها مع انهيار الليرة السورية.
“الارتطام بالأزمات أصعب”
وتبرر الحكومة قراراتها لإزالة أكشاك الصفيح في العاصمة بأنها تعرقل حركة السير والتنقل بسهولة بين الطرقات.
ويعلق متضرر: “يرتطم المواطن يومياً بعشرات الأزمات الأخرى، ولا أحد يكترث إلا للأكشاك”.
ويضيف “سمير”: “يهتمون بمظهر وجماليات شوارع البلد، ولكن يتناسون ضيق أحوالنا المادية في ظل الغلاء والبطالة”.
وقبل عامين، تمكن الرجل الذي يعيش في عشوائية حي الورود من الحصول على ترخيص وموافقة لفتح كشكه الحالي، وذلك بعد أن توسط له أحد موظفي وزارة الداخلية ودفع مبلغ مليوني ليرة سورية، على حد قوله.
يقول الآن إن القرار سيضر بآلاف العائلات في العاصمة ممن يعتمدون على الأكشاك كمصدر دخل وممن يشترون منها بأسعار أرخص من الأسواق، إضافة إلى توفيرها الوقت لمن لا يريد التوجه إلى سوق بعيدة.
وتتوزع الأكشاك في أحياء كالشعلان وسط دمشق، وساحات مثل باب توما، وبلدة جرمانا جنوب دمشق ومحيط الكازيات والحدائق وغيرها من المناطق المزدحمة.
ويبيع أصحاب هذه الأكشاك الشاي والقهوة وغيرها من المشروبات لسائقي السرافيس والسيارات، بالإضافة للأقلام واللوازم المدرسية الأخرى لطلاب المدارس باكراً حين تكون غالبية المكتبات مغلقة.
ويستفيد هؤلاء من عدم دفعهم ضرائب أو إيجارات للكشك غير المرخص، ما يقلل من المبلغ المضاف إلى ثمن المواد المباعة ويزيد نسبة الربح.
لا بدائل للعمل والمعيشة
ويقول أصحاب أكشاك إنهم لو وجدوا فرص عمل ما كانوا اختاروا إشغال رصيف للحصول على دخل بسيط.
ولم يطرح القرار الحكومي حلاً لأصحاب الأكشاك من قبيل تحديد مكان أو سوق تجمعها لتخفيف الأضرار على العاملين بها.
واعتبر ناصر قادري (44 عاماً)، ويسكن دمر البلد شمال دمشق، أن “القرار سيظلم مالكي الأكشاك، لأنه حتى لو كان منطقياً إلا أنه سيحرمنا من مصدر رزقنا الوحيد”.
وقال: “أسمع من بعض المصادر الحكومية أنه لا يوجد بديل أو تعويض”.
وزاد على ذلك: “إنهم يجبروننا على التسول والسرقة”.
ويعمل صاحب كشك بيع المستلزمات المدرسية عند وكالة سانا بالبرامكة منذ سبعة أعوام، إلا أنه يحتار بشأن تأمين قوت أطفاله في العام المقبل.
وتأتي القرارات هذه في وقت تعاني فيه سوريا من ظروف أقرب للمجاعة في غالبية أنحاء البلاد، حيث أصبح أكثر من 90% من السكان يعيشون في فقر، وأكثر من 12.4 مليون نسمة يعانون من حالة انعدام الأمن الغذائي، بحسب الأمم المتحدة.
وتفاقمت خلال العام الذي شارف على الانتهاء أزمات نقص المواد الغذائية والأساسية في مناطق سيطرة الحكومة، أبرزها الخبز والوقود والأدوية.
وعجزت قرارات وإجراءات حكومية من توفير تلك المواد أو إيصال الدعم الحكومي لمن هم أشد حاجة له.
مؤيدون للقرار مع “لكن”
وخلّف القرار جدالاً واسعاً في الشارع السوري حول مشروعيته، بين من يعارض إزالة الأكشاك كونها تساهم في إعالة أسر كاملة بلا عمل، وبين من يؤيد القرار لأنها تعيق حركة الناس وتتعدى على الممتلكات العامة.
ويعتبر ماجد خليل (35 عاماً)، وهو مهندس يعيش في حي الصالحية وسط دمشق، أن هذا القرار صائب وسيعمل على تجميل الشوارع وكذلك النهوض بالسياحة.
يقول إن “الأكشاك العشوائية تحتل الأرصفة وتفترشها ولا تترك لنا مساحة للمرور، الأمر الذي يعرضنا وأطفالنا للخطر، هذا عدا أنها لا تخضع لرقابة صحية أو بيئية”.
لكن بعض أصحاب الأكشاك يقولون إنهم مضطرون للعمل بعد انتهاء دوامهم في وظائف حكومية أو في أعمال أخرى، حتى يتمكنوا من تأمين دخل إضافي.
بينما يستدرك المهندس نفسه: “هذا لا يعني أنني لا أتعاطف مع أصحاب الأكشاك فمعظمهم من ذوي الدخل المحدود، لذلك على الحكومة تأمين فرص عمل لهؤلاء أو تخصيص مناطق معينة لهم”.