نظام “الاستدانة حتى الموسم” يعود لأرياف الرقة والشروط أشد صرامة

الرقة- نورث برس

ينشغل عيسى العليوي (42 عاماً)، وهو مزارع في ريف الرقة شمالي سوريا، بحسابات في دفتر صغير، يقارن بها تكلفة زراعة أرضه مع ما يتوقعه من إنتاج.

ويحاول المزارع عبر هذه الحسابات معرفة إذا ما كان سيتمكن من تسديد ديون لتاجر مواد زراعية في المدينة.

وزرع “العليوي” القمح في 83 دونماً من أرضه الزراعية في مزرعة النخيل، 18 كيلومتراً شرق الرقة،.

ويقول مزارعون في الرقة إنهم عادوا لنظام استدانة قديم يعتمد على استجرار البذار والمستلزمات الزراعية من محال تجار ليتم تسديد ثمنها بعد جني المحصول وبيعه.

وذلك بعد عقد من التدهور المستمر للزراعة في الرقة بسبب ارتفاع تكاليف الإنتاج وتدهور قيمة الليرة السورية، وعام من الجفاف وتخفيض تركيا لتدفق مياه نهر الفرات.

واضطر “العليوي”، هذا الموسم أيضاً، لاستدانة البذار والأسمدة من أحد تجار المواد الزراعية في المدينة، لأنه لا يطيق شراء المستلزمات الزراعية لزراعة أرضه، على حد قوله.

وتبلغ مساحة الأراضي الزراعية في الرقة ما يقارب 400 ألف دونم، يروى ١٠٠ ألف منها بالآبار الارتوازية، بينما تبلغ المساحات المروية من قنوات الري والأنهار ما يقارب 300 ألف دونم، بحسب لجنة الزراعة والري.

وبحسب التراخيص، خصصت نسبة 65 بالمائة من كامل مساحة الأرض للمحاصيل الشتوية موزعة على 50 بالمائة للقمح، و10 بالمائة للشعير، وخمسة بالمائة للبقوليات.

أسعار أعلى

لكن الاتفاق على إمداد المزارع بمستلزمات محصوله، يتم وفق اتفاق على بثمن أعلى بنسبة نحو 25 بالمائة مقارنة بالسعر الحالي للاحتياجات التي طلبها المزارع من التاجر.

بينما يخشى مزارعون عدم تمكنهم من سداد تلك الديون إذا ما حل جفاف موسمي آخر ولم تبلغ المزروعات حصادها.

وحددت هيئة الزراعة والاقتصاد في الإدارة الذاتية السعر المدعوم لبذار القمح المعقم بـ 1200 ليرة سورية للكيلوغرام الواحد، بينما يتراوح ثمنه لدى التجار بين 1900 و2000 ليرة سورية، بحسب تجار في الرقة.

ويشير “العليوي” إلى أن الكميات التي تقدمها لجنة الزراعة وفق الرخص الزراعية لا تكفيه، فيضطر لشراء كميات إضافية من التجار وبالدين.

ويفضل مزارعون في الرقة زراعة الدونم الواحد من القمح بما يقارب 30 كيلوغراماً من البذار وسطياً.

بينما تزود شركة تطوير المجتمع الزراعي في الرقة المزارعين بـ 16 كيلوغراماً لكل دونم مرخص لديها، تقول إنها كافية بحسب معايير زراعية ومهندسين.

يقول “العليوي” إنه استدان طناً واحداً من بذار القمح من أحد تجار الحبوب في سوق “الماكف” قرب المدينة لزراعة مساحة من أرضه لم تغطها المخصصات التي استلمها من لجنة الزراعة.

واستدانة المواد من التجار هي عادة ريفية قديمة في مناطق شمال وشرق سوريا، وكان المزارع يتخلى عنها في حال تمكن من تخزين ما يكفيه من البذار من وقت الحصاد حتى موعد زراعته أواخر الخريف.

لكن استمرار الجفاف قد يؤدي إلى تراكم الديون عاماً بعد آخر، وهو ما فضل مزارعون في الرقة تجنبه عبر تقليل المساحة المزروعة.

اتفاق بين الطرفين

ويقول عبد الله الجاسم (39 عاماً)، وهو من سكان حمرة غنام، 15 كيلومتراً شرق الرقة، إنه لم يمتلك إمكانات دفع أثمان الأسمدة التي ارتفعت مؤخراً.

 وقام هو الآخر باستدانة نصف طن من السماد من تاجر في المدينة.

ويصل سعر الطن الواحد من السماد إلى ما يقارب 490 دولاراً أميركياً وفق السعر المدعوم الذي كان 400 دولار الموسم الفائت.

بينما وصل سعر الأسمدة في الأسواق إلى 600 دولار أميركي، بحسب “الجاسم”.

يقول المزارع إنه لم يتخلَّ عن استدانة مستلزمات الزراعة، لكنه يحرص أن تبقى الديون في إطار تعويض نقص المخصصات التي توزعها لجنة الزراعة والري في الرقة.

وتمنح لجنة الزراعة والري التابعة مجلس الرقة المدني، الرخص الزراعية للمزارعين وفق خطة زراعية ترسمها اللجنة، تقدم من خلالها الأسمدة والبذار، لكن الدفع المادي فيها يكون مستعجلًا، وهو ما يدفع المزارعين للتوجه نحو التجار للاستدانة.

“شروط للاتفاق”

وقال إبراهيم الرزاق (47 عاماً)، وهو تاجر مواد زراعية في السوق المعوفة محليا بـ”الماكف”، إن زرع الأرض عن طريق استدانة المستلزمات شمل غالبية المزارعين في الرقة هذا العام.

وأعاد السبب للجفاف وقلة المخصصات المحددة من جانب لجنة الزراعة والري في الرقة.

لكن هذه الديون ستبقى ستة أشهر لحين حلول موعد سدادها، “وهي فترة طويلة لتجميد رأسمال التاجر”، بحسب “الرزاق”.

ورغم أن العادة قديمة إلا أن شروط الاتفاقات الجديدة تبدو أشد صرامة مما اعتاده مزارعو المنطقة، من حيث زيادة نسبة الأرباح  ومناقشة إذا ما أودى الجفاف بموسم آخر.

وقال التاجر إن نسبة كبيرة من المزارعين لم يتمكنوا الموسم الفائت من تسديد ديونهم نتيجة قلة الإنتاج أو انعدامه.

وتوزع لجنة الزراعة نحو 15 كيلوغراماً من السماد الفوسفاتي لكل دونم، بينما يوزع 30 كيلوغراماً من سماد اليوريا، وتقسّم على ثلاث دفعات.

وقال عيسى الحمادين، وهو نائب رئيس لجنة الزراعة والري في الرقة، إن اللجنة تحاول قدر المستطاع توفير المستلزمات الزراعية التي يحتاجها المزارعين ضمن الإمكانات المتوفرة.

وأضاف، لنورث برس، أن هناك نقصاً في كميات البذار لديهم، لأن نسبة من المزارعين باعوا محاصيلهم في الموسم السابق للتجار.

إعداد: عمار حيدر- تحرير: حكيم أحمد