انتظار لساعات.. هذا ما تحتاجه للدخول لغرفة المعاينة في عيادات القامشلي
القامشلي – نورث برس
تجلس مريم العبد (60 عاماً)، منذ ساعات الصباح الباكر، على رصيف تنتظر دورها لإجراء معاينة لعينيها في عيادة طبيبٍ في مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا، وهي ترتجف من شدة البرد في ظل انخفاض درجات الحرارة إلى ما دون الصفر.
وتعاني المرأة الستينية القادمة من قرية حلوة الواقعة على مقربة من بلدة تربسبيه (القحطانية) شرق القامشلي من مرضي الضغط والسكري إلى جانب آلام العين ونقص الرؤية.
وحالها حال الكثير من سكان الريف، قصدت القامشلي بهدف الاستطباب والمعالجة حيث تضم المدينة أكبر تجمع للأطباء والمخابر والمشافي في شمال شرقي سوريا.
لكن المرضى وذويهم يشتكون من تأخر وصول الأطباء لعياداتهم الخاصة صباحاً، لا سيما القادمون من الأرياف ممن يجب أن يعودوا قبل انقضاء النهار القصير شتاء، بينما يشير آخرون لامتناع أطباء عن الحضور للمشافي أثناء حالات الإسعاف ليلاً.
وتظهر لقطات مصورة، لوكالة نورث برس، سكاناً معظمهم من الريف يجلسون في ساعات الصباح الباكر على الأرصفة المقابلة للعيادات والمخابر الطبية ريثما تفتتح في وقتٍ لاحقٍ.
“قليل منهم يعرفون الرحمة”
تقول “العبد” التي انتظرت أربع ساعات ولم يحضر الطبيب بعد: “أشعر ببردٍ وتعبٍ شديدين وأنا أرتجف الآن”.
وتضيف لنورث برس أنها خلال مراجعة سابقة سجّلت دورها قبل أسبوع عند الطبيب، ورغم ذلك “كان الكل يدخلون إلى غرفة الطبيب قبلي”.
كما ذكرت حادثة أخرى مماثلة جرت معها قبل فترة، عندما انتظرت وسط الازدحام داخل العيادة من الصباح حتى الثانية عصراً، ثم عادت إلى قريتها دون إجراء المعاينة خشية عدم توفر المواصلات مع اقتراب المغيب الشمس.
ولا تقتصر حالات الاستياء على المرضى القادمين من الأرياف ولا على العيادات الطبية فحسب، بل يتعدى الأمر ليصل المشافي الخاصة والمخابر الطبية والصيدليات لتشمل القطاع الصحي الخاص بمجمله.
كما أن المشافي تواجه انتقادات تتعلق بالإهمال وسوء النظافة وعدم توفر سيارات إسعاف ونقص الكوادر الطبية وخصوصاً في ساعات الليل، فضلاً عن ارتفاع الأسعار وتباينها.
وقال نوري عثمان، وهو إمام في جامعٍ بحي قناة السويس في العقد السادس من العمر، إن معظم المشافي لا تقدّر حال المرضى وتتقاضى منهم مبالغ مالية باهظة لقاء العلاج.
وأضاف لنورث برس: “قد لا تجد طبيباً لدى زيارة المشفى وعند الاتصال بأحدهم فلن يأتي.. ببساطة لأنه لا يستطيع ذلك”، بهذه العبارات اختصر “عثمان” الواقع الطبي وضعف الرقابة على المراكز الصحية في المدينة.
يعتبر “عثمان”، وهو في طريقه إلى منزله بعد مراجعة طبيبه بسبب مشكلة في السمع، أن قليلاً من أطباء ومشافي وصيدليات المدينة يعرفون الرحمة والمساعدة.”
“لا يمتنعون بل يتأخرون”
وتقل في القامشلي المشافي العامة باستثناء المشفى الوطني والذي تديره حكومة دمشق وهو ما يشكل عائقاً أمام الكثير من الشباب لارتياده لأسباب أمنية، بالإضافة إلى مشفى العين والقلب التخصصي، ومشفى كوفيد 19 اللذين تديرهما الإدارة الذاتية.
رغم ذلك، يستبعد المرضى من ذوي الدخل المحدود فكرة التوجه إلى العلاج في المستشفيات الخاصة، ما عدا الحالات الإسعافية والطارئة، نظراً لتضاعف تكاليف العلاج هناك.
بكن حتى في الحالات الاضطرارية لا يجدون طبيباً إذا كان الوقت ليلاً.
وقال فرات مقدسي إسحاق، وهو مدير مشفى السلام الخاص في القامشلي، لنورث برس، إنهم يعطون “توجيهات لكادرهم الطبي لاستقبال كل الحالات الإسعافية على مدار اليوم.”
واعتبر أن من حق المريض الحصول على أي طبيب يريده.
لكنه أعاد سبب الحؤول دون ذلك إلى أن الممرضين أحياناً يجدون صعوبة في الاتصال مع الطبيب بسبب مشكلات في شبكات الاتصالات.
“نادراً ما يحدث امتناع الطبيب عن الحضور في حالات الإسعاف، لكن أحياناً يحضر متأخراً ويكون المريض قد غادر إلى مشفى آخر لطول الانتظار.”
مقترحات لم تبلغ هدفها بعد
وقالت نرجس حصاف، وهي الرئيس المشارك لاتحاد الأطباء في القامشلي، إن المشكلة الأساسية تكمن في تركز معظم نشاط الأطباء في ساعات الصباح فقط.
وربطت هذه الفترة بساعات الكهرباء التي تعتمدها العيادات من مولدات الاشتراك ما بين التاسعة صباحاً والثانية عصراً حيث لا يمكنهم العمل دون تشغيل الأجهزة الطبية.
وأشارت، لنورث برس، إلى أن هناك أطباء لديهم التزامات لإجراء عمليات جراحية صباحاً، وآخرون لديهم التزامات مع المشافي للكشف على مرضاهم ما يتسبب بتأخرهم عن عياداتهم.
وقالت إن المرضى القادمين من الريف لديهم في الوقت نفسه مشكلة مع انقطاع المواصلات لذلك يحاولون العودة إلى قراهم قبل الظهر ما يشكّل ضغطاً وازدحاماً على العيادات.
وتعتقد “حصاف”، وهي اختصاصية في أمراض الأذن والأنف والحنجرة وجراحتها، أن الحل يتطلب تطبيق نظام العمل ضمن مواعيد مجدولة للمرضى.
كما أن حل مشاكل انقطاع الكهرباء والمواصلات والفصل بين مرضى الريف والمدينة قد يساهم في معالجة المشكلة، على أن تتم معاينة مرضى الريف صباحاً وسكان المدينة مساءً.
لكن الحلول التي طرحتها الطبيبة لم تجد حتى الآن إجماعاً من الأطباء، كما أنها لم تتحول بعد لمشروع قرار يلزمهم بذلك.