أربيل وجهة سهلة وواقع مرير لآلاف السوريين الفارين من إلزامية الجيش

تحقيق: هوزان زبير

يشارك الشاب الآن أربعة أشخاص في غرفة صغيرة مخصصة لشخصين في فندق شعبي بالطرف الجنوبي في العاصمة أربيل.

وبسبب ضيق المكان يحاول هؤلاء وشبان سوريون آخرون قضاء ما استطاعوا من الوقت في صالة الفندق.

في الصالة ثمة نحو 15 شاباً يتبادلون الحديث والمصير المشترك. يقول أحدهم إن نصفهم حظي بفرص عمل، بينما ما يزال الباقون ينتظرون الفرصة حتى لو كانت مقابل أجر زهيد لعلهم يتمكنون من تغطية مصاريفهم الشخصية وتكاليف تجديد الإقامة السنوية.

وسط هذا الضجر يقول أحد الشبان بصوت عال: “الله وكيلك عم نطلع آخر الشهر راس براس (…)، بس  لو لا العسكرية كنت رح إرجع اليوم قبل بكرا”.

وقبل أن ينهي حديثه يقاطعه آخر بتهكم “ليش عندك أجرة الطيارة لترجع؟”.

منذ نحو عامين أصبحت مدينة أربيل وجهة أساسية لآلاف السوريين معظمهم من فئة الشباب دون سن العشرين، وجاء هذا الخيار كبديل عن الهجرة المكلفة إلى دول الاتحاد الأوروبي.

لكن يقول عشرات الشبان ممن التقينا بهم إن قلة فرص العمل وتدني مستوى الأجور في بعض القطاعات جعلهم في وضع سيء للغاية.

قصة تحكي معاناة السوري

حين ترك أحمد العمر، مدينته درعا جنوبي سوريا، كان كل همه الحصول على فرصة عمل في بلد يشعر فيه بالأمان، وينفد من جحيم بلده والحرب التي تطحنه منذ أكثر من عشر سنوات.

بدأت قصة الشاب قبل نحو عام، حين غادر منزله إلى السودان لرخص تكاليف السفر إليها مقارنة مع بلدان أخرى، لكن خطته كانت تقتضي أن ينتقل منها إلى مصر.

وبالفعل بعد وصوله السودان اتفق مع شبان وعائلات سورية كانوا هناك للدخول إلى مصر بطريقة غير شرعية.

وأثناء دخول الأراضي المصرية، تعرضت الحافلة التي كانت تقلهم لحادث مروري، أصيب ظهره لكسر يعاني آلامه حتى الآن.

بعد رفضه هذين الخيارين، منحته المحكمة خياراً ثالثاً وهو اللجوء إلى إقليم كردستان، فقرر على الفور، خاصة أن تكاليف السفر من مصر إلى الإقليم لم يكلفه أكثر من 1200 دولار أميركي، “كان الخيار مناسباً لي”.

أنا سوري بدي إجي لأربيل.. في شغل؟

في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك ثمة مجموعة باسم “السوريين في أربيل”، وتضم نحو 60 ألف مشترك، يتم نشر ما لا يقل عن 50 منشوراً فيها بصورة يومية، تتعلق معظم مواضيع هذه المنشورات بأوضاع السوريين المقيمين في إقليم كردستان.

وينشر في المجموعة أيضاً شبان ما يزالون في سوريا، يحاولون معرفة الوضع قبل اتخاذ قرار السفر.

ويتصدر منشور “أنا سوري بدي إجي عأربيل..بلاقي شغل؟”، منشورات المجموعة وحسابات أخرى رصدها معد التحقيق.

نماذج من منشورات لسوريين على المجموعات والصفحات في موقع "فيسبوك" يبحثون عن العمل في أربيل- لقطات شاشة من مجموعة على موقع فيسبوك تحمل اسم "السوريين في اربيل"
نماذج من منشورات لسوريين على المجموعات والصفحات في موقع “فيسبوك” يبحثون عن العمل في أربيل- لقطات شاشة من مجموعة على موقع فيسبوك تحمل اسم “السوريين في اربيل”

في استبيان أجريناه في العاصمة أربيل، وشارك فيه 50 سورياً، أظهرت النتائج  معاناة الغالبية من تدني مستوى الأجور إلى جانب صعوبات في الحصول على مكان للسكن بسبب ارتفاع إجارات المنازل مما يضطرهم للسكن في فنادق شعبية في غرف يشترك فيها على سبيل المثال خمسة أشخاص بينما تكون الغرفة مخصصة لشخصين.

شكل يوضح الأماكن التي يعيش فيها السوريون في أربيل
شكل يوضح الأماكن التي يعيش فيها السوريون في أربيل
شكل يوضح نسبة الوافدين من المناطق السورية
شكل يوضح نسبة الوافدين من المناطق السورية

حياة مريرة.. وعودة شبه مستحيلة

إحسان محمد، شاب في مقتبل العمر يتحدر من ريف دمشق، وصل إلى أربيل منتصف هذا العام، يقول إنه ظل يجول الشوارع بحثاً عن العمل لمدة شهر، فانتهى به المطاف بفرصة عمل في مطعم وسط المدنية.

ويشير إلى أنه: “خلال فترة بحثي عن العمل استضافني شبان من مدينتي كانوا قد سبقوني إلى هنا واستأجروا شقة”.

لكن حين أكمل الشاب شهره الأول في العمل وقبض أول مرتب، قام بتوزيعه على من استدان منهم حين كان يبحث عن فرصة عمل.

يقول: “يا ريت ما إجيت لهون. بعد ما صرفت كلشي معي على الفيزا والسفر، ما شفت لهلا شغل  يعوضني خسارتي أو يعيلني هون وعائلتي في البلد، غالباً رح اضطر إرجع”.

لكن خيار العودة صعب للغاية بالنسبة للكثيرين من هؤلاء الشبان، لأن العودة تعني سوقهم إلى “خدمة الجيش السوري”.

ويضيف إحسان: “صرنا متل المشردين (…)، يا إما نتعذب بالغربة أو نرجع عالجيش”.

تكاليف الإقامة والإجراءات

يقول دارا باسل وهو محام سوري يعيش في أربيل إن نحو 15 شركة تختص بمجال إصدار تأشيرة الفيزا للسوريين في المدينة.

وكشف المحامي أن كل شركة تصدر ما لا يقل عن 400 تأشيرة للسوريين شهرياً، ما يعني أن ما لايقل عن خمسة آلاف سوري يصلون أربيل عبر مطارها الدولي في الشهر الواحد.

وتشير تقديرات غير رسمية إلى أن أكثر من مئة ألف شخص دخلوا إقليم كردستان منذ بداية العام الفائت معظمهم من مناطق سيطرة الحكومة السورية.

يقول شبان شملهم الاستبيان إن أكثر ما يدفعهم للتفكير في العودة إلى سوريا هي الرسومات الباهظة لإصدار وثيقة الإقامة السنوية وتجديدها.

ويحتاج إجراء تجديد الإقامة لنحو 550 دولاراً سنوياً، وهذا المبلغ من الصعب جمعه كل عام بسبب قلة فرص العمل والأجور المنخفظة، وفقاً للشبان.

وقال المحامي دارا باسل، إن تكاليف الإقامة السنوية تصل إلى ما يقارب 550 دولاراً.

ولا يحتاج الأمر سوى إلى صورة عن صفحة لجواز السفر والثبوتيات الشخصية، لكن يجب ألا تقل مدة انتهاء صلاحية جواز سفر طالب الفيزا عن ستة أشهر كي يتم الموافقة عليه في المطار، وإلا سيتم إعادته إلى بلده.

لأصحاب الأموال رأي آخر

على خلاف أصحاب مهن المياومة، يرى سوريون أصحاب رؤوس أموال، ويعيشون في أربيل أن المكان مناسب لفتح مشاريع صغيرة ومتوسطة كالمطاعم والمقاهي، “هذه المشاريع تدر علينا مبالغ جيدة”.

ويستثمر عشرات السوريين مطاعم ومقاهي ومحال للبوظة وما شابه في قلب أربيل وتحديداً في منطقة القلعة الأثرية أو سوق “نيشتمان” القريب.

ويقول بعضهم إن مشاريعهم تؤمن فرص عمل لمئات الأشخاص الآخرين.

وبجانب المطعم ثمة محل حلويات يقف أمامه رجل ذو شاربين كثيفين يحاول جذب الزبائن بصوته ولهجته السورية: “تفضل حلّي تمك”.

يقول الرجل الذي يتحدر من حي جوبر في العاصمة دمشق، إنه جاء إلى أربيل منذ نحو عام: “طبعاً حالنا أفضل من حال الوافدين من دون رأسمال، فلنا مصدر رزق ثابت رغم كثرة المصاريف وأجرة المحل (..). الرزق على الله”.

تحرير: حمزة همكي