تركيا تزيد مساعيها لتتريك التعليم والثقافة بريف حلب
إدلب- نورث برس
يقول طلاب جامعيون وعاملون في قطاع التعليم في أعزاز، الخاضعة لسيطرة الفصائل الموالية لتركيا بريف حلب الشمالي، إن تركيا تصعد سياستها في تتريك قطاعي التعليم والثقافة في المنطقة لتحقيق أهدافها في ترسيخ نفوذها وفرض لغتها وقراءتها لمراحل تاريخية أبرزها العهد العثماني.
ويرى هؤلاء أن سياسات تركيا في تتريك التعليم باتت تتسارع في ظل استقرار الجبهات العسكرية وغياب حل سياسي للحرب التي مكنتها من السيطرة على مساحات واسعة من الأراضي السورية.
وقال موجه تربوي في مدينة أعزاز إن تبعية المؤسسات التعليمية من المرحلة الابتدائية إلى الجامعية هو لتركيا بشكل كامل.
وأضاف، لنورث برس شريطة عدم نشر اسمه، أن ذلك يتم عبر الإشراف التركي وصرف الرواتب وكل الأمور الإدارية التي تتبع مباشرة للولايات التركية.
فتحديد المناهج واللغة التركية وإدارة المؤسسات التعليمية هي أبواب لتمرير الأهداف السياسية التركية لعقوا الأطفال والناشئة، بحسب الموجه التربوي.
وقبل أيام قليلة، افتتح مسؤولون أتراك، أول مركز لأكاديمية الأناضولي التركية في مدينة أعزاز، لتضاف إلى مراكز تركية أخرى تعمل في المنطقة منذ أعوام.
وتزامن افتتاح المركز مع اليوم العالمي للغة العربية، الذي حددته الأمم المتحدة في الثامن عشر من كانون الأول/ديسمبر.
وقال مصدر خاص لنورث برس، إن أكاديمية الأناضولي ستباشر العمل في المدينة وفتح باب التسجيل للدراسة، للعديد من الفروع من مختلف الاختصاصات، وخاصة في القطاع الطبي.
سياسة ممنهجة للتعليم
ووصفت منى الصغير (23 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالبة لغة عربية بجامعة حلب الحرة التي تديرها في مدينة أعزاز الحكومة المؤقتة الموالية لتركيا، تدخل تركيا في المدارس والكليات الجامعية بالسياسة الممنهجة لقطاع التعليم.
وقالت إن إلزام تعلم اللغة التركية في كافة المدارس والجامعات في مناطق سيطرة المعارضة هو أبسط مظاهر تلك السياسة.
وأضافت أن تركيا لو حرصت على مصلحة سكان المناطق التي تسيطر عليها في سوريا لكانت تبنت الجامعات المفتتحة من جانب الموالين لها أو ساعدتها في الحصول على الاعتراف من جهات أكاديمية وعلمية دولية.
وتنتشر في كل من مدن الباب شرقي حلب واعزاز وعفرين شمال حلب ثلاثة كليات تابعة لجامعة عينتاب التركية، حيث تقع كلية الاقتصاد في مدينة الباب وكلية الشريعة في مدينة أعزاز وكلية التربية في مدينة عفرين.
وتسعى تركيا لفرض ثقافة تُسهِّل عليها عملية تثبيت أقدامها في سوريا، وبالتالي فرض سياسة الأمر الواقع على المناطق التي تسيطر عليها في شمال غربي البلاد، بالتعاون مع الفصائل المسلحة الموالية لها.
وفرضت تركيا ومنذ سيطرتها على عفرين ونواحيها في كانون الثاني/يناير عام 2018، اللغة التركية في المناهج التعليمية في جميع المراحل في إطار سياسة التتريك والتغيير الديمغرافي التي تتبعها.
ويعتقد مراقبون أن تركيا تمهد، من خلال التعليم وعبر وسائل أخرى، لخطط توسعية مشابهة لسيناريو لواء إسكندرون الذي سلخته تركيا عن الأراضي السورية عام 1936.
ووفقاً لهؤلاء فإن تركيا تعزز سياستها في التتريك، لتصبغ القطاعات المدنية والثقافية بطابع تركي، لضم تلك المناطق إليها، وهو ما يناقض التصريحات التركية الرسمية التي لا تنفك تتحدث عن وحدة وسلامة الأراضي السورية.
وفي العام الدراسي (2017-2018)، تم إدخال مادة اللغة التركية ضمن المنهاج الدراسي لجميع الصفوف من المرحلة الأولى حتى المرحلة الثانوية، في شمال غربي سوريا.
كما وتعد اللغة التركية مادة أساسية تدخل في المعدل العام لجميع الصفوف ودرجتها التامة 100 والحد الأدنى للنجاح فيها 50 بالمائة.
وافتتحت تركيا في المناطق الخاضعة لسيطرتها بشمالي سوريا مدارس ومراكز عدة لتدريس اللغة التركية.
ثقافة ملقنة للأجيال
وأواخر شباط/فبراير الفائت افتتح مسؤولون أتراك، مركزاً ثقافياً في مدينة جرابلس بريف حلب الشرقي.
وسبقه افتتاح تركيا كلية طب ومعهداً عالياً للعلوم الصحية في مدينة الراعي شمال حلب، بقرار يحمل توقيع الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.
وكان مصدر مسؤول بوزارة الخارجية والمغتربين في الحكومة السورية، علق على قرار افتتاح الجامعة آنذاك بـ “أن القرار التركي هو خرق فاضح للقانون الدولي”.
كما يواصل معهد “يونس إمره” للغة التركية منذ عام 2016 تقديم خدماته التعليمية في أرياف حلب، بينما تشترط مؤسسات ومنظمات على المتقدمين للوظائف لديها إتقان اللغة التركية.
وقال أنور الخلف (40 عاماً)، وهو اسم مستعار لمدرس في مدينة أعزاز بريف حلب الشمالي، إن تركيا تحاول بث أفكارها في العالم عبر التعليم والإعلام، ولها مصلحة واضحة في إعادة تدريس تاريخها عهد العثمانيين قبل 400 عام.
وأضاف أن ذلك يندرج مع ممارسات أخرى في خدمة سياسة تتريك المناطق التي تسيطر عليها الفصائل الموالية لأنقرة في أرياف حلب.
ويعتقد المدرس أن استمرار تتريك التعليم لسنوات سيمكّن تركيا من فرض لغتها وثقافتها في مناطق سيطرة المعارضة، “بل يمكنها فعل أكثر من ذلك إن أدرجت المعلومات التي تريدها في المناهج التعليمية ولقنتها لأجيال كاملة على مدى سنوات” .
ويرى أن فرض اللغة والثقافة التركيين على التعليم الجامعي والعالي والأكاديمي سيوفر كفاءات وذوي شهادات يمكن استغلالهم لتحقيق أهداف أنقرة.