مسلحون في إدلب لا يتزحزحون من منازل “مرتدين وشبيحة” يسكنون بالإيجار

إدلب- نورث برس

لا يخفي جهاد الطيار (51 عاماً)، وهو اسم مستعار لرب عائلة في إدلب شمال غربي سوريا، أنه لا يجرؤ على التقدم بشكوى لاستعادة منزله من أحد قادة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، وذلك بعد تهديده بالسجن في حال اقترابه من المنزل.

يقول إن المحكمة “الشرعية” التي لجأ إليها منذ العام 2018 أبلغته بقبول شكواه وتسجيلها، “دون أن توجه أي إنذار لإخراج المسلح من منزلي”.

ويضيف، لنورث برس، إنه يخشى من قيام المسلحين بأعمال انتقام ضده أو أفراد عائلته في حال قدم شكوى جديدة ضدهم.

ويقول سكان استولى مسلحو هيئة تحرير الشام على منازلهم خلال فترات نزوحهم لمناطق سيطرة القوات الحكومية أو تواجدهم فيها أثناء الهجمات التي شنها “النظام”، إنهم لم يتمكنوا من استعادتها رغم عودتهم لإدلب.

ومنذ سيطرة فصائل “جيش الفتح” منتصف العام 2015 على إدلب، اضطر الآلاف من سكان المدينة وخاصةً الموظفين والموالين للحكومة للفرار إلى مناطق سيطرتها في حماة وريفها، بينما استولى المسلحون على المنازل بذريعة أن أصحابها “مرتدون وشبيحة”.

وجيش الفتح تشكل في آذار/ مارس من العام 2015 من سبعة فصائل رئيسة هي “جبهة النصرة، وأحرار الشام، وجند الأقصى، وجيش السنة، وفيلق الشام، وجند الحق، وأجناد الشام”، لكنه حُلَّ لاحقاً وأعقبه إعلان جبهة النصرة تغيير اسمها لهيئة تحرير الشام وادعائها فض علاقتها مع تنظيم القاعدة.

مصادر للهيئة

وعام 2018، عاد “الطيار” إلى المدينة ليجد عنصراً لهيئة تحرير الشام” مقيماً في منزله الذي كتب على واجهته بالبخاخ الأسود “مصادر لهيئة تحرير الشام”.

لكن عشرات العائلات النازحة وبسبب سوء الأوضاع المعيشية والظروف الاقتصادية في المناطق الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، عادت إلى إدلب المدينة، لتُفاجأ غالبيتها بسيطرة الفصائل على منازلها ورفضها الخروج منها.

يقول جهاد الطيار إنه ترك المدينة خشية تعرضه للاعتقال كونه كان موظفاً في إحدى المؤسسات الحكومية، “وبعد ثلاثة أعوام قررت العودة إلى منزلي لكنني فوجئت بكتابات على منزلي تقول إنه مصادر لجبهة النصرة”.

ويتذكر: “طرقت الباب فخرج رجل أنه مهاجر يتحدر من إحدى دول المغرب العربي، وعندما أخبرته أنني صاحب المنزل، ظهرت على ملامحه الغضب.

وقال الجهادي بصوتٍ عالٍ وبلهجة مغربية لم يفهم صاحب المنزل معظمها: “إذاً أنت المرتد الذي كنت شبيحاً لدى النظام”، ثم طرده وهدده بالسجن في حال عودته مرة أخرى للمنزل.

وتضم “هيئة تحرير الشام” في صفوفها مئات المهاجرين من مختلف الدول العربية والأجنبية، ويصف هؤلاء هدف تواجدهم في الأراضي السورية بـ”الجهاد في سبيل الله”.

ولهؤلاء المقاتلين سلطة كبيرة في صفوف الهيئة ومنهم من استلم مناصب عليا، مثل “أبو أحمد خطاب الأردني” المسؤول عن الملف الإعلامي في تحرير الشام و حكومة الإنقاذ التابعة للهيئة.

ومنذ عامين، تقدم  “الطيار” بشكاوى لـ”المحكمة الشرعية” التابعة لهيئة تحرير الشام في مدينة إدلب، حول سيطرة عنصر أجنبي على منزله الواقع في حي الضبيط وسط المدينة.

ويسكن الرجل منزلاً بالإيجار قريباً من منزله الذي يسكنه شخص أجنبي، وسط خوفه من آثار قد تصل حد الانتقام من عائلته إذا ما تقدم بشكوى أخرى ضد العنصر الذي يعرف أنه النافذين في هيئة تحرير الشام حتى هذا اليوم.

“المنزل لنا”

وتروي الأربعينية جهينة المرعي عودتها إلى إدلب منتصف العام 2019، بعد طلاقه من زوجها الذي كان عنصراً لقوات “الدفاع الوطني” الموالية لقوات الحكومة.

وعام 2015 فرت العائلة التي ضمت أربعة أطفال إلى مدينة اللاذقية، لكن طلاقها كان سبب عودتها بعد تحملها سنوات من “التعذيب والإهانات”، على حد وصفها.

“بعد أن طلقني ، هربت مع أولادي إلى مدينة حماة ومنها إلى إدلب حيث كانت المعابر بين مناطق سيطرة طرفي الصراع لا تزال تعمل آنذاك “.

لكن المرأة فوجئت فور وصولها لإدلب بتحويل منزلها إلى مقر عسكري لمسلحي “الحزب الإسلامي التركستاني” الرديف لهيئة تحرير الشام، وأخبرها الجيران أنه لا يمكنها استعادة المنزل لأن زوجها “كان شبيحاً”.

لكن “المرعي” اعتمدت على وثيقة تثبت ملكيتها وتقدمت بشكوى للمحكمة الشرعية التابعة لهيئة تحرير الشام .

تقول إن المحكمة قضت بالفعل بعد أكثر من شهرين بضرورة إفراغ المنزل وإعادته لأصحابه، وإرسال إنذار لعناصر “الإسلامي التركستاني” في منزلها، إلا أن هؤلاء مزقوا ورقة الإنذار وقالوا لها: “المنزل لنا ولن نخرج منه”.

ولم يكن أمامها سوى أن تستأجر شقة في المدينة وتعمل كمستخدمة في إحدى المدارس براتب لا يتجاوز 400 ليرة تركية لتعيل أطفالها.

“150 منزلاً

وقدر ناشط محلي في إدلب، اشترط عدم نشر اسمه، أعداد المنازل التي استولى عليها مسلحو هيئة تحرير الشام في المدينة بأكثر من 150 منزلاً، إضافةً إلى عشرات الهكتارات من الأراضي الزراعية في محيط المدينة

وقال إن الحجة دائماً هي أن ” أصحابها من الشبيحة والمرتدين الذي يقيمون في مناطق سيطرة النظام”.

وأضاف أن نسبة “قليلة جداً” من العائدين استطاعوا استرداد جزء من ممتلكاتهم.

وقال سهيل العمر، وهو ناشط حقوقي سوري يعيش في تركيا، إنه لا يجوز مصادرة المنازل حتى مع ذرائع المسلحين بموالاة أصحابها “للنظام”، لأن القانون الدولي الإنساني العرفي يحظر تدمير ممتلكات الخصم أو الاستيلاء عليها في هذه الحالات.

وأضاف، لنورث برس، أن حق الملكية مصان وفق الشريعة الإسلامية و الدستور السوري والقانون المدني، و القانون الدولي الإنساني.

ويرى “العمر” أن المحاكم الشرعية التابعة لهيئة تحرير الشام في إدلب “هي محاكم ضرورة اقتضتها حالة غياب السلطة، لذلك لا يمكن الحكم عليها وفق المعايير القانونية في حالة الاستقرار ووجود سلطة حكم دستورية”.

إعداد: براء الشامي- تحرير: حكيم أحمد