سكان في دمشق: الرشاوى لم تعد تنفع للحصول على الجواز

دمشق- نورث برس

دفع عبد محمود (21 عاماً)، وهو اسم مستعار لطالب في كلية الطب في جامعة الفرات بمدينة دير الزور، أكثر من 500 ألف ليرة سورية لوسيط في فرع الهجرة والجوازات في دمشق لاستصدار جواز سفر، لكنه أعاد له نقوده بعد فشله في مساعدته.

ويقول الشاب، الذي قدم من مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا ويقيم مؤقتاً في منزل أحد أقاربه في مشروع دمر شمال دمشق: “على ما يبدو حتى المحسوبيات والرشاوى لم تعد تنفع للحصول على الجواز”.

ومنذ أشهر، يتأخر إصدار جوازات السفر عن الموعد المحدد، لتطول طوابير أمام دوائر الهجرة في العاصمة دمشق وريفها، بينما تعلل تصريحات مسؤولي وزارة الداخلية الأمر بأسباب “فنية” دون إعطاء تفاصيل عن المشكلة.

وفي هذه الأثناء، يحاول أشخاص استعدوا للهجرة دفع “رشاوى” لموظفين في فروع الهجرة والجوازات للإسراع في الحصول على الجواز أو تجديده، لكن يبدو اتباع الطريقة التقليدية التي اعتادوا عليها في الدوائر الرسمية غير مجد. 

ومطلع آب/ أغسطس الفائت، قال وزير الداخلية محمد الرحمون، إن مشكلة التأخر في إصدار جوازات السفر تعود إلى أسباب فنية بحتة، وستحل المشكلة بشكل كامل اعتباراً من العشرين من الشهر ذاته.

وعاد الوزير في الثالث عشر من أيلول/ سبتمبر الفائت، ليكرر الوعود بمعالجة مشكلة جوازات السفر المتراكمة وإصدار وطباعة جميعها قبل انتهاء الشهر.

لكن وعود الوزير لم تنفذ، بل ازداد عدد الواقفين في طوابير أمام دوائر الهجرة في كافة المحافظات السورية.  

“ولى زمن السماسرة”

يقول “محمود”، الذي حصل مؤخراً على منحة دراسية في هولندا، إنه يحاول منذ أسبوعين استصدار الجواز، “لكن دون جدوى، وعندما أرى هذا الطابور الطويل أشعر باليأس”.

ويعتقد الطالب الجامعي أن تأخر إصدار الجوازات يعود إلى “توجيهات حكومية بهدف إيقاف اندفاع السوريين نحو الهجرة وسط تسهيلات تقمها دول لجذب الخبرات والكفاءات”.

لكنه يرغب في الحصول على الجواز بأي طريقة، “ولم أعد قادراً على العيش تحت كل هذه الضغوط، أريد السفر فقط”.

وبعد مرور أكثر من عقد على الحرب في سوريا، ورغم الهدوء النسبي في بعض جبهات القتال مقارنة مع سنوات سابقة، ما يزال الشباب السوري يهاجر نحو الخارج بحثاً عن مستقبل يضمن لهم حياتهم.

وتُعتبر فئة الشباب الذكور، وخاصة الجامعيين منهم، من أكثر الفئات المعنية بالهجرة والساعية لها، نظراً لوجود عائقي الخدمة العسكرية الإجبارية  والرواتب الشحيحة أمام  مشاريعهم المستقبلية.

ولم يتمكن طلال حسن (25 عاماً)، وهو اسم مستعار لمتخرج من كلية الهندسة المدنية من سكان مزة جبل غرب دمشق، من الحصول على جواز سفر (مستعجل) رغم انتظاره أسبوعاً كاملاً من الثامنة صباحاً وحتى انتهاء الدوام الرسمي أمام إدارة الهجرة والجوزات في العاصمة.

يقول بلهجته المحلية وبنبرة لا تخلو من التهكم: “رحم الله أيام السماسرة الذين كانوا يقفون هنا وهناك ويسارعون لتلبية طلباتنا مقابل رشاوى قليلة، نعرض عليهم مليون ليرة اليوم ولا يستجيبون لنا، سبحان من غير الأحوال”.

وينوي “حسن”  التوجه إلى النمسا للبحث عن فرصة عمل.

“أزمة مفتعلة”

وفي نهاية الشهر الماضي، قالت وزارة الداخلية في تعميم نشرته عبر صفحتها في فيس بوك إنه يمكن الحصول على جواز سفر فوري دون الحاجة إلى حجز الدور على المنصة الإلكترونية مقابل مبلغ مالي قدره 100 ألف ليرة سورية.

وقبل الحرب، كانت تكاليف استصدار جواز السفر المستعجل 35 ألف ليرة فقط ويصدر خلال 24 ساعة، بينما قد تصل اليوم مدة الحصول عليه إلى أسبوع وربما أكثر في بعض الحالات.

بينما كانت تكلفة جواز السفر غير المستعجل لا تتجاوز 15 ألف ليرة، ليصل إلى 50 ألف ليرة سورية، إضافة لزيادة مدة الاستلام من عشرة أيام إلى ثلاثة أسابيع وربما لشهر.

 أما الرسم القنصلي للحصول على جواز خارج البلاد فيبلغ 800 دولار أميركي للمستعجل، و300 دولار لغير المستعجل.

وقال موظف في إدارة الهجرة والجوازات في دمشق،لنورث برس شريطة عدم نشر اسمه، إن مشكلة تأخر الجوازات “مفتعلة فليس صعباً استيراد الأحبار والأوراق من الخارج كما أعلنت وزارة الداخلية في وقت سابق”.

“لكن السبب الرئيس وراء الأزمة هو إعطاء الحكومة السورية الأولوية للقنصليات الخارجية وطلباتها، “باعتبارها تزود خزينتها بالقطع الأجنبي، في محاولة لإنقاذ قطاعها الاقتصادي المنهار”.

وأضاف الموظف أن الحكومة السورية  قادرة على حل الأزمة خلال يومين، “ولكنها تتجنب ذلك، لأنها تجني أضعاف ما كانت تجنيه قبل افتعال الأزمة.

واعتبر أن الإقبال الكثيف على جوازات السفر المستعجلة داخلياَ وخارجياً “يعد كنزاً ثميناً للحكومة”.

كما أن “الترهل والعجز” الذي تعاني منه الحكومة تتسبب في تفاقم الأزمة، “لأنها غير مؤهلة للتعامل مع الضغط العالي للطلب على الجواز داخلياً وخارجياً”، على حد قول الموظف.

“العودة فخ”

وحاول سراج محمد (32 عاماً) وهو اسم مستعار لمهندس من سكان ضاحية قدسيا شمال دمسق ويسكن حالياً في دولة الإمارات بموجب عقد عمل، استغلال فرصة زيارته لعائلته بعد عامين لتجديد جوازه ولكنه اصطدم بالازدحام.

ويواجه السوريون في الخارج أيضاً العديد من العراقيل نظراً للشروط المعقدة التي تفرضها قنصليات حكومة دمشق، وخاصة فيما يتعلق بالإجراءات المرتبطة بالمعاملات والإقامات في الدول التي يقيمون فيها.

وقال “محمد” إن صلاحية جوازه شارفت على الانتهاء، فتقدم بطلب للحصول على تجديده لكن طُلب منه الانتظار ثلاثة أيام.

ويشير إلى أنه بعد ثلاثة أيام  لم يتلقّ أي رد، “لذلك جئت اليوم بنفسي لأتأكد من الموضوع، فكان الجواب بدك تتحملنا في أزمة على الجوازات”.

ويذكر أنه يجب أن يكون في الجواز ستة أشهر صلاحية كأقل تقدير ليستطيع تجديد الإقامة، “وفي حال فشلي بالحصول على الجواز في الوقت المناسب، سأخسر عملي وإقامتي وسأجبر على البقاء “.

وأضاف المهندس، “نعم العودة إلى سوريا فخ”.

إعداد: هيام علي – تحرير: سوزدار محمد