فساد في عيادات طبية خاصة في الرقة وموظفات الاستقبال تشرن لأجورهن الشحيحة

الرقة – نورث برس

تدنو فاطمة رمضان (٥٠ عاماً) من موظفة الاستقبال في عيادة طبية خاصة في الرقة، شمالي سوريا، وتسألها بنبرة خافتة عن موعد دخول ابنتها للمعاينة في غرفة الطبيب، مشتكية من تأخر الوقت وبعد قريتها.

وقدمت المرأة مع ابنتها الحامل من قرية الهيشة في الريف الشمالي صباحاً، لكن الموظفة في حجرة الانتظار لم تعلن اسمها بعد لدخول غرفة المعاينة.

تقول لنورث برس: “قطعنا مسافة ٤٥ كم، أنتظر منذ الصباح وها قد أذّن العصر، ليس لنا أقارب في المدينة نبيت عندهم ووسائل النقل لن تتوفر بعد غروب الشمس”.

ويتهم مراجعون وذوو مرضى في الرقة العيادات الطبية باتباع المحسوبيات لتقديم موعد دخول مرضى على حساب آخرين تتعطل أعمالهم و أو عودتهم لمنازلهم في الأرياف، إلى جانب معاناتهم من الانتظار الطويل مع أوجاعهم.

وتزدحم غالبية العيادات الخاصة في مدينة الرقة وخاصة عيادات الأطفال والداخلية والنسائية، بالمرضى والمراجعين الذين ينتظرون ساعات كي يصلهم الدور للدخول إلى عيادة الطبيب للمعاينة أو المراجعة الطبية.

غرف مزدحمة

تزدحم غرفة الانتظار التي لا تتجاوز مساحتها ١٢ متراً مربعاً بالمراجعين، وتعلو أصوات السعال والضجيج يقطعها صوت موظفة الاستقبال تنادي باسم واحدة من 19 امرأة في الغرفة، لتسرع المريضة إلى حجرة الطبيب.

تقول “رمضان” إن تلك المرأة حضرت منذ 20 دقيقة فقط.

وتضيف متذمرة أن غرفة الانتظار “سجن ضيق ستنتقل الأمراض فيه بسهولة، والإصابة بفايروس كورونا أمر حتمي هنا”.

وتنتشر في شارع تل أبيض في مدينة الرقة والشوارع المحيطة به، عيادات خاصة لأطباء لكافة الاختصاصات، تشهد ازدحاماً منذ الصباح وحتى حلول المساء.

ويعمل معظم الأطباء في الرقة في عيادات استأجروها، عادة ما تكون منازل مكونة من غرفتين أو ثلاث، وتتراوح مساحاتها بين 30 متراً و50 متراً مربعاً، تفتقر بعضها لنوافذ أو شفاطات للتهوية.

ويبلغ عدد سكان الرقة ما يقارب ٨٠٠ ألف فرد، بحسب تقديرات محلية، وتضم ما يقارب 250 عيادة طبية خاصة، بالإضافة لنحو 60 عيادة تمريضية خاصة.

وفي الرقة مشفيان عامان هما الوطني والتوليد، و٣٣ مركزاً طبياً مجانياً، تشرف على بعضها منظمات وجمعيات دولية، وثمانية مشاف خاصة.

لكن ناشطين في المدينة يرون أن عدد المشافي والمراكز والعيادات لا تتكافأ مع عدد السكان الذي يتضاعف مع وفود مرضى من مدن أخرى في شمال وشرق سوريا، بالإضافة إلى أن مشفى التوليد مهدد بالإغلاق بسبب توقف التمويل الأممي.

رشاوى مراجعين

وبعد أربع ساعات في غرفة الانتظار، فوجئت عليا محمد (39 عاماً)، التي أخذت ابنها لعيادة طبيب أطفال تقع جنوب جامع الفواز وسط المدينة، بقيام موظفة الاستقبال بإدخال مراجعين إلى حجرة الطبيب دون الالتزام بتسلسل القائمة المدونة على دفتر أمامها.

وقالت إن طفلها الذي يبلغ ثلاثة أعوام يعاني من التهابات في الأمعاء، وإنها مجبرة على تكرار مراجعة أطباء الأطفال وتحمل الازدحام والانتظار الطويل.

واتهمت “محمد”، في مقابلة لنورث برس، موظفة الاستقبال بتلقي مال زائد عن أجرة المعاينة من بعض المراجعين لإدخالهم للطبيب فور وصولهم للعيادة.

وأشارت إلى أنها لم تخبر الطبيب “بما تفعله السكرتيرة خوفاً من تأخير دوري أكثر في المرة اللاحقة، فأنا أثق بمهارة الطبيب وهو ذو سمعة جيدة”.

وقال عبد الحنان محمد، وهو من سكان مدينة الرقة ويرافق والدته التي تعاني من مرض الكلى إلى عيادة طبيب مختص في الرقة مرتين في الأسبوع، إنه يدفع ما بين 2.500 وخمسة آلاف ليرة لموظفة الاستقبال حتى لا يتأخر عن مهامه مع إحدى المنظمات العاملة في المدينة.

وأضاف دون أن يفصح عن اسم الطبيب: “أدفع ليرتين بدل ما أضيع وقتي نهار كامل”.

واستذكر “محمد” موقفاً حدث معه المرة الماضية، وهو أن أحد المراجعين سأل الموظفة:  “أنا انتظر منذ الصباح، فلماذا يدخل هذا الرجل قبلي؟” لترد عليه بأنه “حجز الدور منذ البارحة”.

ليست عامة

ويتفق مرتادو العيادات الخاصة على أن تلقي المبالغ الإضافية لتيسير الدخول للطبيب لا تشمل الجميع، لكن البعض يصف إضافة المال للمحسوبيات “أمر غير مسبوق، ويزيد مدة الانتظار”، على حد قول مراجع

وقالت مريم علي، وهو اسم مستعار لشابة تعمل موظفة استقبال في عيادة خاصة لطبيب نسائية مقابل 60 ألف ليرة سورية شهرياً، إن الأجرة القليلة تدفعها لقبول مبالغ مالية من المراجعين مقابل تقديم دورهم على آخرين.

وأضافت، لنورث برس، أنها طالبت الطبيب التي تعمل لديه بزيادة أجرها لكنه رفض، وأنها لم تتمكن من إيجاد عمل آخر براتب أعلى.

ويعتبر أجر العاملة في العيادة (60 ألف ليرة) من أدنى الأجور، فحتى رواتب الموظفات في مؤؤسسات الإدارة الذاتية تبلغ نحو 300 ألف ليرة وسطياً، وهي ستة أضعاف راتب مريم.

وأشارت الموظفة إلى أن أغلب الذين يدفعون لها هم من الموظفين في الدوائر الرسمية أو المنظمات، لأنهم يخشون ضياع وقتهم وتأخرهم عن دوامهم.

وحاولت نورث برس الحصول على رد من أطباء في مدينة الرقة عن استفسارات حول شيوع رشاوى في عيادات طبية إلا أنهم رفضوا التعليق على الموضوع.

وقال فرهاد جمعان، وهو رئيس اتحاد الأطباء في مدينة الرقة، إن ظاهرة تقديم رشوة لموظفة الاستقبال في عيادة خاصة “ليست عامة وهي حتى في الحالات الموجودة لا تخص الأطباء بأي شكل”.

ورأى أن أي طبيب يلاحظ وجود هذه الظاهرة عند موظف الاستقبال لديه، “سيطرده فوراً لأن هذا التصرف يمس سمعته ويؤثر على مراجعيه وعمله”.

وعلل “جمعان” الازدحام في عيادات أطباء لثقافة المجتمع في النصح بالتوجه لأطباء معينين والتفاخر بمعرفة الأجدر منهم، “في اعتقادهم أن كل طبيب ذُكِر اسمه كثيراً بين الناس سيكون الشافي الوحيد”.

إعداد: حسن العلي- تحرير: عمر علوش