دمشق- نورث برس
تطول المدة التي تحتاجها سمر الأحمد (43 عاماً)، وهو اسم مستعار لموظفة حكومية في العاصمة دمشق، كي تصل إلى عملها بعد كل قرار حكومي لرفع أسعار الوقود.
ولأكثر من نصف ساعة تنتظر الموظفة الحافلة تحت جسر الرئيس بسبب ارتفاع تكلفة سيارات الأجرة التي كانت تلجأ إليها حين تتأخر.
وأعادت تسعيرة البنزين الجديدة نقاشات سكان عن المعيشة، وأخرجت بعضها من إطار الهمس والغرف المغلقة إلى العلن في المواصلات العامة ومواقفها.
تعلق سمر بسخرية على قرار رفع سعر البنزين: “قريباً سنرجع للعصور القديمة وسنستخدم الدواب للتنقل بسب بسبب نقص وغلاء البنزين والمازوت”.
وتقول إن المواظبة على وظيفة بمرتب 60 ألف ليرة شهرياً مع تحمل الضغوطات النفسية والمادية للمواصلات بات أمراً صعباً.
وككثير من السوريين عندما تزيد أمامهم العقبات وتغيب الحلول، تضيف: “من المؤسف أننا لم نفكر في مغادرة هذه البلاد”.
والسبت الماضي، رفعت الحكومة السورية، سعر ليتر البنزين المدعوم (الموزع عبر البطاقة الإلكترونية) من 750 ليرة إلى 1100 ليرة سورية.
وهذه الزيادة هي الزيادة الرابعة خلال العام الحالي، في خطوة يرافقها رفع في تكلفة النقل.
“حال يرثى لها”
وتقول رانية الرومية (46 عاماً)، وهو اسم مستعار لمدرسة في المدارس العامة، إن امتلاكها سيارة لا يجعلها في منأى عن الصعوبات.
وتضيف: “راتبي وراتب زوجي لا يكفيان لسداد المبالغ التي نستدينها لتأمين البنزين”.
وقبل أربعة أعوام، تمكنت رانية من شراء سيارة خاصة، “أفكر جدياً في بيعها إذ لم نعد نتحمل تكلفة تشغيلها”.
ويعتقد نبيل محمد (54 عاماً)، وهو اسم مستعار لسائق سيارة أجرة في العاصمة، أن دائرة محاولات التأقلم مع التقنين في المواد الأساسية باتت تضيق أكثر.
يصف الوضع المعيشي بـ “حال يرثى لها”.
ويقول إن قرارات الحكومة لا تحل المشكلة بل تزيد أعباء الأزمات.
ذلك رغم أن سيارة “محمد” هي ملكه، فقد اشتراها من مدخراته لسنوات حين كان يعمل على آليات ثقيلة.
يتساءل كيف سيتدبر من يعملون على سيارات آخرين معيشة عائلاتهم.
وبعد الارتفاع الأخير للبنزين يقدر سائق أجرة نقل الراكب بين أحياء دمشق المتجاورة بستة آلاف وتسعة آلاف ليرة سورية، بينما قد تصل أجرة التوصيلة للمناطق البعيدة كالعسالة وحرستا وسبينة إلى أكثر من 12 ألف ليرة.
لكن السائقين إنهم يدفعون مبالغ كبيرة لتأمين كفايتهم من الوقود من السوق السوداء، إلى جانب تكاليف الزيوت المعدنية وأجور الصيانة وأسعار قطع الغيار.
“المتضررون هم الغلابة”
والسبت الماضي، قالت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك عبر حسابها الرسمي في “فيسبوك” إن قرار رفع سعر البنزين جاء “بهدف التقليل من الخسائر الهائلة في موازنة النفط وضماناً لعدم انقطاع المادة أو قلة توفرها”.
وبعد نحو ساعة من صدور القرار، قال وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك عمرو سالم إن “قرار رفع سعر البنزين هو قرار صحيح بكل تأكيد ويسهم في إصلاح الخلل في توزيع الثروة والدخل”.
وفي شارع النصر المؤدي إلى سوق الحميدية الشهير والذي يعج عادة بالمتسوقين، انتظر السائق مروان تحسين (40 عاماً) أكثر من ساعة “ولا سائق يطلب التوصيل”.
يقول إنه أقلع كغيره “منذ زمن” عن عادة التجوال بالسيارة بين الشوارع بحثاً عن راكب لأن ذلك قد يكلفه أضعاف ما يجني.
ويضيف أنه يفكر جدياً في افتتاح محل لبيع الخضار، فأصناف الغذاء الرخيصة هي الوحيدة التي لم يتخلَّ عنها الدمشقيون بعد.
بينما يقول سائق أوقف سيارته أمام محطة زهرة للمحروقات على طريق الربوة لسائقين آخرين في الطابور: “أنا شخص صريح، لم أتأثر بالقرار، في كل مرة ترفع الحكومة السعر، أرفع الأجرة، المتضرر هم السكان الغلابة”.