إتاوات لكف يد المفارز الأمنية في حلب تنهك الأعمال والمعيشة

حلب- نورث برس

ينشغل محمد سندة (45 عاماً)، وهو صاحب محل تجاري في شارع الوكالات بحي السكري في مدينة حلب، شمالي سوريا، بالسؤال عن عنصر يتبع مفرزة الأمن العسكري، على أمل تحصيل ما تبقى عليه من ثمن “فرن غاز” لم يدفع منه سوى مائة ألف ليرة.

يقول إن العناصر الآخرين يقولون إنه انتقل، لكنه يعتقد أن لا أمل له في الحصول على ماله حتى لو التقاه في إ حدى المفارز الخمسة لفرع الأمن العسكري في حيه، لا سيما بعد أن جعلوه ومحله “شغلهم الشاغل”.

وبشكل أو آخر، يدفع سكان الحي مبالغ مالية لعناصر تلك المفارز مقابل كف البلاء عنهم وتجنيبهم الملاحقة لسبب أو آخر.

ويقول أصحاب أعمال إن الأمر لا مفر منه ما دام عناصر الأمن يستخدمون لهجة التخويف والوعيد أثناء تواجدهم في الحي وسوقه لإجراء ما يسمونه بدراسات وإحصاءات أمنية.

ومطلع العام 2017، سيطرت الحكومة السورية على حي السكري بعد اتفاق على انسحاب المعارضة المسلحة من الأحياء التي كانت تسيطر عليها.

ويعد الحي الذي يضم 4.500 عائلة الأكثر كثافة بين الأحياء المجاورة لانخفاض أسعار إيجارات المنازل فيه بالنسبة لمناطق أخرى في المدينة.

“أدفع ثمن المتة”

ويعتبر سوق الوكالات للأدوات المنزلية في حي السكري، من أقوى الأسواق في حلب وكان قبل الحرب يغذي كل الأرياف المحيطة في مدينة حلب وبعض المحافظات من الاحتياجات المنزلية.

يقول “سندة” إنه يعمل منذ سبعة أشهر لإعادة الحركة لوكالته في السوق رغم ضعف القوة الشرائية .

“لكن تسلط عناصر المفرزة بعد استدعائي وطلب بطاقتي الشخصية منعني تحقيق ما كنت آمله من تقدم في عملي”.

ويدفع التاجر مبالغ يقدرها بنحو عشرة آلاف ليرة يومياً، لكف يد عناصر الأمن ومسلحين مرتبطين بهم عن عمله.

ويضيف: “ذلك رغم أنه لم يثبت بحقي أي فيش شرطة ولست مطلوباً لأي جهة أمنية، لكن الأمر يعود لتقرير كيدي بحق أحد  أفراد عائلتي ، مطلوب بتهمة دعم الإرهاب”.

ويطلب عناصر الأمن من “سندة” عنوان سكن أخيه ورقم هاتفه للقبض عليه، ولا يصدقون عدم امتلاكه أي معلومة عنه.

 “ومنذ ملاحقتهم للموضوع أدفع ثمن المتة والسكر وتعبئة الغاز لقاء عدم استدعائي إلى المفرزة كل يوم”.

يقول التاجر إن وكالته التجارية أصبحت مباحة لكل فرد من مفارز الأمن العسكري، “أخذ مسؤول مفرزة غسالة بقيمة مليون ومائتي ألف ليرة، ويدفع لي خمسين ألف ليرة شهرياً، ما يعني تأجيل السداد لعامين، هذا إن أكمل السداد”.

ويشير إلى 300 ألف ليرة التي بقيت في ذمة العنصر الذي يقولون إنه انتقل وهم غير مسؤولون عن أفعاله.

“وكأنهم شركائي”

ودفع مصطفى العمر (30 عاماً) ، وهو من سكان شارع الوادي في الحي، 300 ألف ليرة لمسؤول المفرزة القريبة من ورشته لخياطة الحقائب المدرسية.

يقول إنه بدأ العمل مطلع شهر تموز/ يوليو الماضي للاستفادة من موسم افتتاح المدارس، لكن ركود الحركة الشرائية دفعه للتعاقد مع تاجر عراقي الجنسية.

الأمر دفع عناصر المفرزة لملاحقة مصدر الأقمشة التي يستخدمها “العمر” هل هي صناعة سورية أم أجنبية، “كون التاجر العراقي ينفذ موديلات مسحوبة من الإنترنت”.

 ويضيف أنه بدأ يخسر نتيجة “سحب حقائب لهم ولعائلاتهم مع ابتزاز أسئلة حول إن كنت أتعامل مع التاجر العراقي بغير العملة السورية”.

ورغم غلاء المواد الأولية وصعوبة تسويق الإنتاج، يدفع التاجر إتاوات عن كل سيارة خارجة، ” وكأنهم شركائي بما أملك وأجهد”.

ويحتوي حي السكري على خمس مفارز تابعة لفرع الأمن العسكري تتوزع على تقاطع أجزاء الحي، تعمل كل منها في جمع معلومات عن السكان وأوضاعهم الأمنية، بالإضافه إلى مخفر للشرطة المدنية في مدخل الحي.

“أحياء مرعبة”

وقالت رشا بابي (35 عاماً)، وهو اسم مستعار لامرأة تعيش في حي السكري، إنها تتعرض لابتزاز من عناصر أمن يهددون بإخراجها من المنزل المستأجر.

ومنذ مطلع الشهر الماضي، تردد عناصر على المنزل طالبين أمراً مختلفاً في كل مرة، مثل دفتر العائلة والبطاقة الشخصية وعقد استئجار المنزل، وذلك بذريعة إجراء “مسح أمني”.

لكن الأمر ازداد حدة بعد معرفتهم أم زوج “بابي” مفقود منذ سبعة أعوام، “طلب أحدهم مرة الدخول للمنزل، وعندما رفضت بحجة وجود الأولاد خارج المنزل،  أخذ معلومات تفصيلية عن زوجي وغادر”.

وأضافت: “عاد العنصر بعد أيام ليعلمني بوجوب مغادرة المنزل لأنني لم أسجل عقد الاستئجار في البلدية، ولأن أصحاب المنزل مطلوبون للأمن”.

وتدفع المرأة 45 ألف ليرة للسكن في هذا المنزل بدون عقد مسجل، بينما سيكلفها الانتقال لمنزل آخر نحو 150 ألف ليرة شهرياً.

وقال مصدر مقرب من احدى المفارز الأمنية في حي السكري، اشترط عدم نشر اسمه، إن النقاط الأمنية تعمل وفق الدراسات المطلوبة من فرع الأمن العسكري بحلب.

وأضاف أن التركيز يكون أكثر على دراسة أوضاع السكان القادمين حديثاً إلى الحي، من خلال إجراء مسح أمني للمنازل كل ثلاثة أشهر .

واعتبر أن “السكري” وأحياء أخرى في الجهة الشرقية للمدينة “كانت وما زالت ترعب الأفرع الأمنية”.

إعداد: معتز شمطة- تحرير: حكيم أحمد