خبير اقتصادي يشرح أبرز سيناريوهات مستقبل "الليرة السورية" وأسباب الانهيار
القاهرة- محمد أبوزيد- نورث برس
انهيار غير مسبوق يشهده سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار الأمريكي، بما لذلك من تداعيات شديدة الصعوبة والخطورة على حياة الناس داخل سوريا.
يُحلل الخبير الاقتصادي السوري، يونس الكريم، في حديثه لـ"نورث برس"، وضع سعر صرف الليرة السورية أمام الدولار، ومستقبل سعر الصرف عقب وصول الدولار إلى ألف ليرة سورية، محدداً أبرز الأسباب التي قادت إلى هذا الانهيار غير المسبوق، وما إذا كان سعر صرف الليرة مرشحاً للتراجع أو الزيادة خلال الفترات المقبلة في ضوء العوامل والمعطيات الراهنة.
عوامل مختلفة
يقول الكريم إن انخفاض الليرة السورية يرتبط بشكل غير مسبوق بعدة عوامل؛ داخلية وخارجية. أما العوامل الداخلية فهي مُتعددة ومرتبطة بالسياسات الاقتصادية التي تتبعها الحكومة، فيما ترتبط العوامل الخارجية بما يشهده كل من لبنان والعراق من تطورات.
وفي تفصيلٍ للعوامل الداخلية المؤثرة على سعر صرف الليرة السورية، يشير الكريم إلى أن الأمر مرتبط ارتباطاً وثيقاً بالمؤسسات المالية المختصة، سواء كان البنك المركزي أو وزارة المالية أو حتى وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، لافتاً إلى الإجراء الأخير الذي اتخذته الحكومة والخاص بتحديد كمية مدعومة من السلع بالجرامات من خلال استخدام البطاقة الذكية أو ما يُعرف بنوع من الاستهزاء "البونات الذكية" جعل الناس متخوفين كثيراً من قدرة النظام على توفير السلع، بخاصة مع رفض الأمم المتحدة تمرير المواد الغذائية والمساعدات إلى المناطق المنكوبة في شمال سوريا عن طريق دمشق.
وتابع الخبير الاقتصادي السوري: إضافة إلى تصريحات وقرارات وزارة المالية وتخبطها، وهو ما يتجسد في تصريحات مأمون حمدان اللامسؤولة، عقب أن تكلم عن عدالة الضرائب، في حين أن الضرائب تضغط على المواطن كثيراً، فضلاً عن استخدام الجمارك بالمعارك بين التجار تحت سمع وأوامر الوزير مأمون، وغيرها من الأمور والتصريحات لمحاولة صرف نظر الناس عن مشاكلهم الحقيقية.
من بين الأسباب الداخلية أيضاً، طبقاً للكريم، فشل سياسات البنك المركزي باعتباره المسؤول عن السياسات النقدية، والكل ينظر للبنك المركزي لعمل شيء ما تجاه الليرة، لكنه حتى الآن يأخذ بوضعية السكون المدمر لليرة السورية منذ منتصف العام 2018 تقريباً، عندما بدا فارق السعر كبيراً بين السوق السوداء ونشرة البنك المركزي، دون أن يحاول التغيير، ما قاد لتحييد شركات الصرافة عن لعب دورها كضابط لإجراء التوازن بسوق الصرف، ثم عمد البنك المركزي على إغلاقها ومحاصرتها، ففي العام 2007 كان هناك /130/ شركة، والآن أقل من /30/ شركة فقط، أي ما يقارب /67%/ من الشركات أغلقت حسب المجموعة الإحصائية .
وأفاد بأن "البنك المركزي بدا مكشوفاً للجميع بأنه لا يملك القرار أو حتى الإمكانية لاتخاذ القرار نتيجة الحرب بين أركان النظام وأجنحته التي بات السوريون يشعرون"، بها حسب الكريم ، على اعتبار أنه "كثيراً ما تصدر قرارات من الوزارة بحجز الاحتياطي ثم تتم إزالة هذا الحجز بحجة أن هناك لبساً أو خطأ رغم أن الإعلانات صادرة من وزارة المالية ذاتها".
تلك العوامل، أسهمت –بحسب الخبير الاقتصادي- في "إضاعة فرحة الحكومة السورية بالانتصار أو إعادة السيطرة على مناطق المعارضة، ذلك أن المستثمرين الآن باتوا لا يعلمون من هو المتحكم والمسيطر على الوضع في سوريا والسياسات الاقتصادية وهم متخوفين من أن يتم استهدافهم أو استهداف مشاريعهم في ظل الانفلات الأمني والمليشوية التي تعاني منها مناطق النظام، الأمر الذي زاد سوءاً توتر الأوضاع الأخيرة بدرعا والغوطة".
أما بالنسبة للأسباب الخارجية المُتسببة فيما آل إليه سعر صرف الليرة السورية، فهي مرتبطة في تصور الخبير الاقتصادي السوري، بعاملين رئيسيين، هما (الأوضاع في لبنان والعراق) وكذلك قانون "سيزر"، باعتبارهما أقوى عاملين زادا الضغط على الحكومة السورية.
قانون سيزر
وشدد الكريم على أن "قانون سيزر أفشل خطط الشركات الأجنبية والعربية التي كانت تتهيأ للدخول إلى سوريا عن طريق شركات وساطة متسلسلة ومختلفة الجنسيات بحيث يحاولون التخلص من العقوبات الأمريكية الأوروبية السابقة المفروضة قبل قانون سيزر، والتي كانت تسمى بالعقوبات الذكية وقتها لاستهداف رجال أعمال محددين، وكانت أكثر الشركات متحمسة للدخول الى السوق السورية حسب ما رشح من وسائل الإعلام المقربة من حلقات أصحاب القرار هي الشركات -الخليجية كانت تحاول تلافي تلك العقوبات عن طريق الأردن ولبنان، لكن الذي حدث أن قانون سيزر عندما فُرض بصيغته الحالية جعل أي تعامل بأية طريقة كانت ومن أي مكان كان وبأي تسلسل لعدد الشركات العاملة سوف يخضع لعقوبات أمريكية، ما جعل الجميع يتوقف ويعيد التفكير ملياً بالتواصل مع النظام السوري بأي شكل من الأشكال".
"ذلك الحظر أضاع على الحكومة السورية إمكانية التواصل؛ لأنها كانت تأمل بعودة شركات إماراتية وعمانية وحتى السعودية، مع الحديث عن عودة العلاقات الدبلوماسية مع هذه الدول"، طبقاً للخبير الاقتصادي السوري.
وشدد على أن "الحوالات المالية كانت تلعب دوراً في تحديد سعر الليرة، لكن نتيجة العقوبات الأمريكية وقانون سيزر تم تجفيف هذا المورد الهام ولم يعد له دور بتوفير القطع الأجنبي للنظام" .
لبنان والعراق
واستطرد الكريم، قائلاً: "هناك أيضاً الحراك الثوري بلبنان والعراق.. في لبنان جوهر الحراك الثوري هناك يعتمد على فقدان الدولار من السوق اللبنانية، ومن بين أسباب ذلك إعطاء البنوك اللبنانية اعتمادات مستندية كبيرة لتجار سوريين ولبنانين لبيع السلع والخدمات لسوريا، وذلك بدعم من تيار العوني وحزب الله والنظام، مول هؤلاء النظام السوري منذ منتصف 2018 حتى حدوث الأزمة هناك، حيث كانت تقوم تلك الجماعات بشراء السلع والخدمات وبيعها بأسعار مضاعفة للنظام على أمل أن يسدد النظام".
"علاوة على أنه تجمعت كمية كبيرة من الليرة السورية عند الصيرفة اللبنانية على أمل أن يكون انخفاض الليرة هو عملية تلاعب معتادة من البنك المركزي، ومن ثم العمل على تخفيضها بشكل مفاجئ، بالتالي سعت للحصول على الليرة مقابل الدولار بهدف تحقيق أرباح كبيرة.. لكن ما حدث أن البنك المركزي لم يتدخل حتى الآن وتجمعت كميات الليرة السورية في لبنان بكميات ضخمة مع ارتفاع سعر صرف الدولار مقابل الليرة في سوريا، وبدأت الخسائر اللبنانية بصورة كبيرة وفقدان الدولار من لبنان جعل الصرافيين اللبنانيين يضاربون على الليرة السورية ويشتروا الدولار من السوق من دمشق وباقي المحافظات وعند أي سعر، على أمل تخفيض خسائرهم وتعويضها من السوق اللبنانية المتعطشة أيضاً للدولار".
وبخصوص تأثير الوضع في العراق على الليرة، قال إن "الحراك الثوري في العراق منع مساعدات النظام العراقي للحكومة السورية سواء بالأموال أو المساعدات اللوجيستية والمقاتلين… كل ذلك كان له تأثير سلبي على الليرة السورية، ما قاد إلى الوضع الذي نراه الآن من انخفاض بمستوى سعر صرف الدولار مقابل الليرة بشكل كبير وغير مسبوق بتاريخ الليرة السورية".
مستقبل الليرة
وذكر الخبير الاقتصادي السوري، أن سعر ألف ليرة مقابل الدولار، هي نقطة مقاومة صعبة بالنسبة لليرة السورية، ذلك أن الخسارة تمثل ما نسبته /130%/، وبالتالي عودة سعر الصرف الى مادون /920/ ليرة أمر صعب جدا، وبالتالي "على البنك المركزي أن يفعل أدواته من أجل العودة، لكن ما يعطل ذلك هو وجود صراع أجنحة، بين طرف موالٍ للجناح الروسي وآخرين من الحرس القديم الذين يرغبون في المحافظة على الليرة السورية عند مستويات معينة تمكنهم من المحافظة، باعتبار المحافظة على كيان الدولة الحل لبقاء سلطتهم"، على حد تعبيره.
ومن الأسباب الهامة لتدهور قيمة الليرة رغبة الروس وجناح النظام في تحطيم الليرة السورية ومحاولة تعويم الليرة، بالتالي يستطيع الروس تقديم خدماتهم بالدولار ولا يخضعون للرقابة من الدولة السورية أو دعم الليرة واستنزاف مشاريعهم بهذا الدعم وسهولة جذب الاستثمارات التي ترغب بالتعامل بالليرة وليس بعملة منهارة مثل الليرة.
وشدد الكريم على أن إنقاذ الليرة هو بيد المؤسسات الرسمية، "وطالما أن مؤسسات الدول خاضعة الآن للنظام و للروس، فلا يمكن أن يكون هناك الكثير من التوقعات لمصير الليرة السورية"، وأنه على المعارضة إعادة تشكيل رؤيتها الاقتصادية المستقبلية انطلاقا من الليرة التي اعتبرها بمثابة دستور وحدود جامع للسوريين .
وفيما يخص مستقبل سعر صرف الدولار أمام الليرة، قال الخبير الاقتصادي إن هناك سيناريوهين لا ثالث لهما؛ السيناريو الأول هو انخفاض الدولار إلى /920/ ليرة، وهو السعر المقبول الذي يناسب وكمية السلع والخدمات المتوفرة للمواطنين لشرائها، أما السيناريو الثاني هو استمرار الصعود، وهو سيناريو غير قابل للتطبيق؛ لأن ذلك يجعل المواطنين السوريين غير قادرين على شراء حتى حد الكفاف بالطعام، مع العلم بأن /80%/ من الشعب السوري تحت خط الفقر، والأمم المتحدة ترفض التدخل بسبب قانون "سيزر" ومن أجل الضغط على النظام من أجل الحل السياسي".
واختتم الخبير الاقتصادي السوري، تصريحاته بقوله: "سيناريو أن يصل الدولار إلى /1500/ و/2000/ غير وارد؛ لأن ذلك معناه الدخول في مرحلة مجاعة، بينما هناك رغبة دولية في عدم وصول سوريا لهذه النقطة".