مليارات الليرات السورية تضل طريقها عن البنك المركزي

دمشق – نورث برس

يستنكر اقتصادي من دمشق سياسة الحكومة مع القطع الأجنبي، ويقول إن الحكومة لديها الكثير من مصادر الإيرادات، لكنها “لا تجد مصدراً أسهل من جيوب المواطنين”.

وقد يكون تقييد موضوع تحويلات المغتربين وعدم استثمارها بالشكل الأمثل أحد أهم مصادر الإيراد التي تضيعها الحكومة بترك سعر صرف السوق السوداء أعلى من التسعيرة الرسمية للمركزي، وهذا يعني البحث عن قنوات تصريف خارجه كما يحصل الآن.

ويصف شادي حسين، اسم مستعار لاقتصادي مقيم في دمشق، سياسة الحكومة في هذا المجال بغير المفهومة وغير الاقتصادية رغم أن التحويلات مصدر شبه رئيسي للإيرادات.

ومطلع العام الجاري، نقلت وكالة “سانا” عن مصدر لم تكشف عن اسمه، أن هنالك زيادة كبيرة في كميات القطع الأجنبي الواردة إلى سورية بسبب تحويلات المغتربين في الخارج.

وأضاف أنه تم الترخيص لشركات صرافة للعمل، وهذا ما قال عنه الاقتصادي “حسين” أنه محاولة للاستفادة من التحويلات، لأن العقوبات الاقتصادية على البنك المركزي لا تمكنه من التعامل مع التحويلات مباشرة.

وعدل مصرف سوريا المركزي نشرة “المصارف والصرافة” “ليصبح سعر شراء الحوالات الواردة من الخارج، الشخصية و”الويسترن يونيون”، والواردة لصالح الأمم المتحدة والهيئات التابعة لها والمنظمات والمؤسسات الدولية الإنسانية الواردة معادلاً لـ 2500 ليرة سورية مقابل الدولار الأميركي، بعدما كانت 1250 ليرة.

وسبق هذا التعديل إجراء مماثل في العام الماضي، برفع سعر صرف الليرة مقابل الدولار من 700 إلى 1250 ليرة.

يقدر مصرفي سوري، مقيم في دمشق رفض ذكر اسمه، لنورث برس، قيمة التحويلات السنوية بمبلغ يتراوح بين 4- 5 مليارات يورو.

ولكنه يشدد على أن الآلية السائدة تضيع على الخزينة السورية الجزء الأكبر من هذا المبلغ، ويذهب القسم الأكبر منها إلى المضاربين والسوق السوداء رغم كل التشدد الحكومي في التعامل مع هذه المخالفات.

ويضف أن “الفرق بين التسعيرتين الرسمية والسوق السوداء تدفع بغالبية الناس للتعامل مع السوق السوداء للحفاظ قدر الإمكان على قيمة الحوالات التي تصلهم”.

وتقول الأربعينية لمياء العوض، اسم مستعار لإعلامية تعمل مع وكالة ألمانية، لنورث برس، إن انتظارها راتبها الشهري من الوكالة الإعلامية أكثر مشقة من كل المواد التي تقوم بإعدادها خلال الشهر؛ لأن الحصول على هذا المبلغ يتطلب منها في كل مرة مغامرة جديدة.

وتضيف: “في كثير من المرات انتظر الشخص الذي سيوصل لي المبلغ بالليرات السورية دون أن أعلم عنه أي شيء حتى اسمه”.

وعلى “العوض” أن تتواصل معه عن طريق تطبيق “واتس أب” وتبقى تنتظر في مكان تم الاتفاق عليه مسبقاً ريثما يصل، وتضيف “العوض” بأن هذا العمل “يبدو كمن يرتكب فعل مشيناً، يعرضه للمساءلة القانونية”.

ويتساءل المصرفي السوري عن الأسباب التي تمنع الحكومة من تسليم الحوالة بالقطع الأجنبي، ويرى أن هذا يسهم في توفير القطع في السوق بدلاً من إغراقه بالليرات السورية.

ويشدد المصرفي على أن “ما يحصل الآن هو التحايل على الحكومة السورية لتجنب الاقتطاعات الكبيرة من التحويلات”.

ويضيف: “يقوم المغتربين بتحويل الأموال إلى دولة أخرى، ويتم تسليمها لذويهم بالليرات السورية عن طريق تجار يتعاملون مع مكاتب التحويل لشراء بضائع من الخارج بالعملة الصعبة، ويدفعون مقابلها بالليرات السورية للأسر التي تم تحويل الحوالة إليهم، وهكذا تخسر البنوك السورية كل هذه المبالغ”.

وتعتبر رسائل تطبيق “واتس أب” هي وسيلة توزيع الحوالات، عن طريق اعتماد خطوط دولية للتواصل، إذ أن الجهة التي يتم تحويل الأموال إليها تطلب الرسالة التي وصلت عبر “واتس أب”، وتخبرهم بوجود أمانة لديهم يأخذونها بالليرة السورية دون أن يدخل القطع الأجنبي إلى السوق.

ويرى المصرفي أنه من الأفضل أن يتم السماح بتسليم الحوالة كما هي إلى صاحبها، لأنها ستساهم بزيادة عرض النقد الأجنبي وتخفيض سعر صرف، ولكن ما يحصل هو حرمان المستلم والسوق السورية من دخول القطع الأجنبي.

وتتدخل الحكومة بسعر الصرف عبر قنوات غير رسمية، وأصدرت تراخيص لعدد من الشركات، ليتم تكليفها يتحويل الأموال وتمويل المستوردات وذلك بالتزامن مع قرار تمويل المستوردات الذي صدر مطلع هذا العام.

ولكن أحد المستوردين قال إن ما يحصلون عليه من سعر مدعوم للدولار من البنك المركزي عند فتح إجازة استيراد لأي من المواد التي تحظى بدولار مدعوم من البنك المركزي بسعر 2500 ليرة، حيث يقوم المستورد بتحويل طلب التمويل على إحدى شركات الصرافة التي تطلب أجور تحويل لا تقل عن 30%، وبذلك يصبح المستورد يدفع سعر السوق السوداء.

وتتشدد الحكومة بإجراءات مشددة لمكافحة تهريب العملات الأجنبية، ولكن المصرفي، يقول: “هذه الإجراءات لا تكفي مهما تشددت الحكومة طالما أن فرق السعر غير مجز”.

إعداد: ريتا علي – تحرير: محمد القاضي