وساطة فرنسية على هامش مفاوضات النووي الإيراني

منذ أكثر من ثلاثة عقود والأرصدة والأصول الإيرانية مجمدة في البنوك العالمية، ما تطمح له إيران اليوم عبر مفاوضات فيينا لإحياء الاتفاق النووي هو استرجاع ما لا يقل عن مئة مليار دولار وكذلك استرجاع حقها بتصدير الخام  الذي  قيدته  العقوبات الأميركية عام ٢٠١٨.

أرادت الولايات المتحدة بهذه العقوبات، الضغط على إيران، لإيقاف برنامجها النووي العسكري وتقييد طموحها التوسعي في المنطقة. وتزامنت تلك العقوبات مع انسحاب الولايات المتحدة من المفاوضات النووية حينها.

بعد رحيل ترامب وانتخاب الديمقراطيين تغير مزاج الإدارة في الولايات المتحدة وعاد بايدن لطاولة المفاوضات، بهدف أن يعطي إيران فرصة جديدة. وحالياً تمضي في النمسا الجولة السابعة من مفاوضات متعثرة لإحياء الاتفاق النووي الإيراني ومن خلاله تظهر انقسامات بين دول الاتحاد الأوروبي والحلفاء وكذلك يضيف تعقيد أكثر للعلاقات بين روسيا وواشنطن.

منذ عقود والجمهورية الإسلامية تخوض حروباً وتمول كتائب وجيوشاً بالوكالة عنها في دول باتت تحت نفوذها وسيطرتها، مانعة تلك الدول من التطور والاستقرار. لكن كل تلك الحروب لم تعد على الجمهورية الإسلامية إلا بمفعول عكسي، فرغم النصر الذي حققته ميدانيًا في سوريا والعراق ولبنان تعيش إيران أزمة اقتصادية خانقة ومعدية لكافة الدول التي تسيطر عليها.

وعلى ضوء المفاوضات الجارية وفشل التي سبقتها، قرر الرئيس الفرنسي لعب دور الوسيط بين المملكة العربية السعودية وإيران. فكان منذ أيام في زيارة لدول الخليج العربي وللمملكة ومهدت لزيارته استقالة وزير الاعلام اللبناني جورج قرداحي ذو الميول الإيرانية، كما عينت فرنسا سفيرة لسوريا وهذا دون إعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق. ويقال إنها تسمية شكلية لتخفيف وقع الخبر ولكنها في الواقع لا يمكن أن تكون سفيرة شكلية. فتعيين السفيرة هو أيضا خطوة ديبلوماسية من فرنسا بغرض إرضاء أطراف عديدة.

السيدة كورمي كانت سفيرة لفرنسا في ليبيا وبعدها عينت سفيرة في مالطا.

لم تفتح فرنسا بعد سفارتها في دمشق لكنها ربما تطمح لأن يكون لها دور أهم في المنطقة، في حال تمت المصالحة السعودية العربية الإيرانية تحت الضغوطات الأميركية على إيران. يبحث الرئيس ماكرون عن تعزيز دور فرنسا في الشرق الأوسط،  محاولاً أن يرضي جميع الأطراف وأن يعقد صفقات اقتصادية لفرنسا.

بالتالي التهدئة في الشرق الأوسط هي عنوان زيارة الرئيس الفرنسي، هذا ما تطلبه أوروبا بإلحاح، وهي التي تنتظر بفارغ الصبر عودة العلاقات الاقتصادية مع إيران لتحل بهذا أزماتها، ربما غير آبهة كثيراً بمصير الشعوب الأخرى.

أما عن الأزمات فهي عديدة، حيث تعاني أوروبا من تداعيات أزمة كوفيد ـ19، وأزمة اللاجئين وصعوبة التحضيرات للموجة الجديدة من الوباء بنوعه الجديد وعن الاتحاد الأوروبي كمؤسسة فهو بات مهدد من داخله نتيجة الصراعات وخروج انجلترا.

يعتمد الرئيس ماكرون في مهمته على العلاقات الطيبة التي نسجتها فرنسا مع إيران تاريخياً والتي استمرت رغم كل الصراعات ولإنجاح مهامه يطمح بكسب ثقة السعودية.

نتائج هذه السياسة الفرنسية الوساطية في الشرق الأوسط والتي ينتهجها الرئيس ماكرون لم تعطِ ثمارها للمنطقة بعد ولكنها تبدو مربحة اقتصادياً لفرنسا، ففي العراق وقعت فرنسا عبر شركتها توتال منذ أشهر أحد أهم العقود نسبيًا وها هو ماكرون بجولته الخليجية يوقع الكثير من العقود.

هذا الإنجاز الديبلوماسي الاقتصادي، من شأنه أن يدعم حملة ماكرون الانتخابية القادمة. وبينما منافسيه يسقطون في خطابات عنصرية ومقسمة للمجتمع الفرنسي، يجهز ماكرون خطابه الانتخابي الذي سيقول فيه إنه يعمل لإنقاذ مستوى حياة المواطن الفرنسي وأوروبا وإعادة اللاجئين لسوريا ولهذا هو سيكون صديق إيران والسعودية وروسيا في آن واحد.

من جهة أخرى يمكن ربط تعيين السفيرة الفرنسية لسوريا بزيارة وزير الخارجية والتعاون الدولي الإماراتي لبشار الأسد في دمشق.

لقد كانت تلك الزيارة علنية ورسمية والأولى من نوعها منذ عام ٢٠١١ رغم أنه لم يصدر عنها بيان مشترك ولم تعلن الصحف عما دار جديًا خلال تلك الزيارة.

ويبدو من الطبيعي أن يكون الملف السوري من ضمن الشروط في المفاوضات النووية مع إيران فسوريا تحت سيطرة ايران وهذا ما يبرر أيضًا رفض الأسد لأي مفاوضات مع الشعب داخليًا منذ البداية. فهو لا يملك قرار الحل لا داخليًا ولا خارجيا. كل أوراق التفاوض السورية والفلسطينية بين يدي إيران وهي لا تترك لحكام مستعمراتها أي هامش قرار أو تفاوض.

من هنا الملف السوري يبقى رهين التقاربات والمصالحات السعودية الإيرانية وبالنهاية عودة السفارات الاجنبية والعربية لدمشق لن يغير شيئًا من واقع السياسة الداخلية السورية المعقد، ولن يلغي القضايا العالقة، ولن يمحي الاحقاد الاجتماعية في سوريا والأهم لن يحل أزمة اللاجئين في أوروبا. فلأسباب عديدة لن يتوقف الشعب السوري عن النزوح ولا مكان آمن لعودة اللاجئين دون تغيير نوعية الحكم.

الخليج العربي بقيادة السعودية يعلم أنه لا يستطيع ترك سوريا لإيران وتركيا، بالتالي نتمنى أن يكون القادم ضغوطات نحو  حل شامل يتضمن قبول الجمهورية الإسلامية بسيادة سوريا ودول أخرى، مقابل أن يتم توافق يشمل رفع العقوبات عنها وفك عزلتها.