عشرات الأطفال يعملون في مهن شاقة بريف الحسكة
تل تمر – نورث برس
يعكف علي خلف (12 عاماً)، وهو طفل يعيش في بلدة تل تمر بريف الحسكة شمال شرقي سوريا، على محرك سيارة أمام محل للميكانيك بلباسه المتشح ببقع الشحوم، ليقضي ساعات من يومه في المنطقة الصناعية بعد أن ترك مدرسته وتوجه للعمل.
وتشكل المنطقة الصناعية في تل تمر، الوجهة الأبرز لأطفال انخرطوا في سوق العمل، آملين في اكتساب مهنة لدى الصناعيين.
يعلل “الخلف” توجهه لمهنة تحتاج قدرات جسدية تفوق عمره بالصعوبات المعيشية لعائلته عقب نزوحها من قرية العريشة شمال البلدة، عقب عملية عسكرية لتركيا مع فصائل للمعارضة السورية موالية لها قبل أكثر من عامين.
وتعيش العائلة حالياً في قرية تل حفيان (كيلومتران جنوب تل تمر)، ويعمل الوالد موظفاً في دائرة الكهرباء ليعيل تسعة أفراد تضمهم الأسرة.
يقول علي، لـنورث برس، إنه بالكاد يتمكن من تهجئة الأحرف رغم استمراره في المدرسة حتى الصف الخامس الابتدائي.
“مضى عام ونصف على عملي في الصناعة بعدما تركت المدرسة (..) أتعلم المهنة وأساعد أسرتي في المعيشة”.
ويسكن في مدرسة قرية تل حفيان التي تعيش فيها عائلة الطفل نازحون من الأرياف فروا من الهجمات التركية عام 2019، بينما يقصد أطفال مدارس البلدة شمالاً.
ويعمل علي ستة أيام في الأسبوع مدة عشر ساعات يومياً مقابل ستة آلاف ليرة سورية أسبوعياً، بينما تتفاوت أجور آخرين لدرجة كبيرة يعيدها أرباب العمل لكل من العمر والخبرة.
“أعمال خطرة”
ويصنف عمل الطفل علي الخلف ضمن الأعمال “الخطرة جداً” بالنسبة للأطفال، وفق تعميم أصدرته الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في آذار / مارس الماضي.
ويسمح للأطفال من سن العاشرة إلى الخامسة عشرة، بالعمل وفقاً لشروط محددة وفي أعمال معينة مثل الصيدليات والمكاتب ومجال الإلكترونيات والحواسيب، وبموافقة ولي الأمر ومكتب حماية الطفل.
وفي ورشة حدادة في المنطقة الصناعية، يبدأ عبدالله عمر (17 عاماً) وطفل آخر العمل صباح كل يوم بعد تسربهما من المقاعد الدراسية .
واعتبر عمر عدم إتقانه الكتابة والقراءة رغم دراسته حتى المرحلة الإعدادية السبب الرئيس للبحث عن “تعلم مهنة” في الأسواق المحلية.
ورغم مشقة عمله لنحو عشر ساعات يومياً مقابل 20 ألف ليرة أسبوعياً، يقول إنه لا يفكر بالعودة للدراسة، وإنه يفضل مساعدة عائلته.
وبحسب تعميم الإدارة الذاتية، يجب على من تتراوح أعمارهم بين 15 عاماً و 18 عاماً أن يتقدموا بدليل على إنهائهم لمرحلة التعليم الأساسي كي يسمح لهم بالعمل.
كما يشترط ألا يكون عملهم مصنفاً ضمن الأعمال الخطرة، “وألا تتجاوز ساعات عملهم خلال النهار ست ساعات، بينها ساعة استراحة’’.
2000 طفل
واعتبر خالد جبر، وهو الرئيس المشارك لمكتب حماية الطفل في النزاعات المسلحة بالحسكة، أن التدهور المعيشي ليس مبرراً لزج الأطفال ضمن أعمال تحتوي مخاطر على حياتهم ومستقبلهم.
وأكد لنورث برس: ” أن المكان الطبيعي للأطفال هو المدرسة”.
وتشير إحصاءات مكتب حماية الطفل إلى أن ما يقارب 2000 طفل في إقليم الجزيرة، “يعملون في الأعمال الخطرة”.
وبات 60 في المائة من الأطفال في سوريا يعانون من انعدام الأمن الغذائي, وأكثر من نصفهم يفتقرون للتعليم، بحسب ما أعلنته الأمم المتحدة بمناسبة يوم الطفل العالمي للعام 2021.
وتقدر منظمة الأمم المتحدة للطفولة (يونيسيف)، أن 2.5 مليون طفل في سوريا لا يتلقون التعليم حالياً، و 1.6 مليون آخرين مهددون أيضاً بالمصير ذاته.
“اكتساب مهنة”
ولا ينكر ماهر الحداد، وهو صاحب ورشة حدادة في المنطقة الصناعية بتل تمر، أن المهن الصناعية شاقة بالنسبة للأطفال.
إلا أنه يعتقد أن غالبية الأطفال يأتون بهدف تعلم “الصنعة” بعد تركهم مدارسهم.
ويعمل لدى الحداد طفلان, إذ يقول إن مشقات العمل تتعبهما “لكن اكتساب المهنة سينفعهم مستقبلاً”.
كما أن العمال الكبار لا يقبلون بمهام كهذه مقابل أجور زهيدة تتراوح بين ستة آلاف و12 ألف ليرة أسبوعياً بحسب العمر والخبرة، على حد قول “الحداد”.
وعلى بعد أمتار من الورشة، يقف أطفال على الطريق السريع يحملون أكياساً مملوءة بقطع النايلون والألمنيوم التالفة، بعد جمعها من الأحياء والأسواق بهدف بيعها.
يشير الأطفال للسيارة المتجهة جنوباً ربما تقبل حملهم إلى قراهم.
يقول رئيس مكتب حماية الأطفال إن هناك خطوات مستقبلية للإدارة الذاتية من أجل حل هذه الظاهرة.
ويضيف: ‘‘ندرس هذ الأمر حالياً وستتم مشاريع مستقبلية بالتعاون مع منظمات دولية للحد من عمالة الأطفال”.