تحت مسمى الفكر الثوري.. تحرير الشام تحجب ملامح إدلب السياسية والمدنية
إدلب- نورث برس
تحظر هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً) في إدلب، شمال غربي سوريا، أي محاولة لإنشاء أحزاب أو تجمعات مدنية أو شعبية أو نقابية خشية ظهور آراء مخالفة أو مناوئة قد تؤثر على سلطتها الشمولية في المنطقة.
وتشدد قبضتها على الأنشطة والفعاليات في المنطقة عبر عسكرييها وأمنييها وحكومتها “الإنقاذ”، فلا اجتماع ولا مؤتمر خارج سياق “الفكر الثوري” ودون موافقة “ممثلي الدين”.
وقبل أسابيع، منعت الهيئة انعقاد مؤتمر نسائي في إدلب بقوة السلاح، بحسب مصادر مطلعة قالت إن برنامجه كان يحتوي جوانب سياسية وانتقادات.
إلا أن عناصر “تحرير الشام” أجبروا القائمين عليه على تحويله لندوة “ثورية” تتحدث عن “إنجازات الثورة السورية خلال السنوات العشر الأخيرة”.
ويرى الدكتور نصر اليوسف، وهو محلل سياسي يقيم في العاصمة الروسية موسكو، أن جانب الديمقراطية والتعددية هو من أكبر الأخطار على الفكر الشمولي الديني لهيئة تحرير الشام، “لأن ذلك يعني نهايتها”.
وقال لنورث برس: “إذا سمحت هيئة تحرير الشام بحياة حزبية وحريات، فمن المؤكد أنها لن تصمد طويلاً، فالقمع هو الأسلوب الوحيد لإطالة فترة بقاء الأفكار الشمولية وخاصةً الدينية منها”.
سلطات شمولية تتشابه
ويستبعد “اليوسف” إقدام هيئة تحرير الشام على أي خطوة تسمح في الفترة المقبلة بتشكيل أي حزب سياسي مناهض لها، “ولن يتغير الفكر الذي تحمله”.
ويعتقد أن السطات الشمولية تتشابه “وشأن الهيئة في ذلك شأن النظام الدكتاتوري الاستبدادي في سوريا، أي أنه عندما يكون هناك نوع من الديمقراطية وحرية التعبير فسينهار بشكل آلي.”
ورغم أن القبضة الأمنية لم تمنع خروج احتجاجات ضد الهيئة، إلا أن محاولات أي تجمع ولو كان مهنياً أو طلابياً تعرضت للمنع من قبل مسلحي الهيئة.
ومنتصف تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، خرج عشرات السكان في مدينة إدلب احتجاجاً على “الغلاء ورفع أسعار المحروقات والمواد الغذائية بشكل غير مسبوق”.
وقالت مصادر محلية، حينها لنورث برس، إن مئات المحتجين هتفوا في ساحة الساعة وسط المدينة ضد “حكومة الإنقاذ” وزعيم “هيئة تحرير الشام”، أبو محمد الجولاني.
ولا يقتصر احتكار الهيئة على العسكرة والسياسة، بل إنها تحتكر الموارد الاقتصادية فيما يخص الوقود المعابر والصرافة والبنوك في ظل التدهور المعيشي
وأواخر العام الماضي، تظاهرت مئات النساء في إدلب المدينة ضد ممارسات “هيئة تحرير الشام” واعتقالها أزواجهن وأبناءهن في سجونها.
وفي حزيران/ يونيو من العام الماضي، داهم مسلحون يتبعون لهيئة تحرير الشام، اجتماعاً سعى لتشكيل الاتحاد العام للنقابات السورية في الشمال السوري المحرر.
لكن مسلحي الهيئة داهموا المكان وأطلقوا الرصاص في الهواء مطالبين الحضور مغادرة المكان، وذك بذريعة عدم التنسيق مع حكومة الإنقاذ.
“تشدد ثوري وديني”
ووصف مأمون الشمالي، وهو اسم مستعار لناشط سياسي في إدلب، الجزء الإداري في الهيئة بعبارة “نظام شمولي لا يقبل بوجود معارضة أو منافسين ولا بأي شكل من الأشكال”.
وأضاف لنورث برس: “الهيئة ترى أن شرعيتها مستمدة من الدين، وأن قادتها يمثلون الحكم الرشيد في المنطقة ويعتبرون أنفسهم حاكمين شرعيين”.
وأشار “الشمالي” إلى أن المنطقة كانت تضم متنافسين عسكريين وبينهم سياسيين خلال السنوات الماضية، “لكنهم لم يبقوا غيرهم على الأرض”.
وقال إن مفاهيم الشرع والدين والجهاد والثورة لم تكن محتكرة كما الآن من جانب “الممثلين الشرعيين للدين على الأرض”، في إشارة إلى فكر “تحرير الشام”.
وخلال السنوات السابقة تمكنت هيئة تحرير الشام من إحكام سيطرتها على غالبية منطقة إدلب على حساب فصائل أخرى كانت متواجدة في المنطقة.
وكان من المتوقع عقب اجتماعات سوتشي وأستانا أن تقوم تركيا بدعم فصائل معارضة أخرى ضد الهيئة.
لكن على العكس سارت الأرتال التركية في المنطقة بمرافقة عناصر للهيئة.
“الديمقراطية دين الغرب“
وتركز الهيئة في حشد الناس على شعارات تعادي “النظام” وتمجد الثورة، إلى جانب قضايا مثل الدفاع عن الإسلام والنبي وقضية فلسطين.
وفي آب/ أغسطس الماضي، احتفل عناصر هيئة تحرير الشام وسط إدلب بسيطرة حركة طالبان على أفغانستان.
وأثارت الاحتفالات والخطب والاستعراضات العسكرية، آنذاك، سخطاً شعبياً لتزامنها مع مجزرتين ارتكبتهما قوات الحكومة السورية في منطقة جبل الزاوية آنذاك.
وقالت راما الشامي، وهو اسم مستعار لناشطة في إدلب، إن هيئة تحرير الشام تسمح ببناء أي حزب يحمل “الفكر الثوري” لها والمناهض لكل شيء اسمه “ديمقراطية”، وذلك بشرط إعلامها وموافقتها والخضوع لمراقبتها.
وتشترط الهيئة أن يبقى كل شيء تحت سلطة الهيئة التي تعادي كل حركة مدنية أو شعبية أو سياسية بين السكان.
وتعتقد “الشامي” أن الهيئة تحاول أحياناً إظهار نفسها على أنها قد تغيرت نحو الانفتاح على المفاهيم العصرية.
“لكن تغيير شكلها الخارجي لا يغير الفكر المتشدد الذي تحمله والذي يرى الديمقراطية كفراً أو كما يسمونها الديمقراطية دين الغرب”.