حياة قاسية لنازحين بريف الحسكة في ظل استمرار إغلاق معبر “اليعربية”
تل تمر – نورث برس
تفترش زهرة العليوي، وهي نازحة من قرية العريشة بريف تل تمر، حصائر مهترئة في غرفة صفية بمدرسة تفتقر لأدنى مقومات الحياة وسط البلدة الواقعة شمال الحسكة، شمال شرقي سوريا.
وتتحسر السيدة على منزلها الذي دمرته قذائف القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة التابعة لها، لتجد نفسها رفقة زوجها وأطفالها الخمسة في مركز إيواء بمدرسة وسط ظروف معيشية صعبة وشح وصول المساعدات الإغاثية.
وتسكن عشرات العائلات السورية التي فرت من المعارك بعد الاجتياح التركي برفقة فصائل المعارضة لمنطقتي سري كانيه (رأس العين) وتل أبيض أواخر عام 2019، في مدارس تل تمر التي تحولت لمراكز إيواء بعد أن تقطعت بهم السبل.
تقول “العليوي” إنها حصلت على أفرشة ومستلزمات سكن قليلة من “المتصدقين”، بينما تقتصر المساعدة من المنظمات على سلة غذائية كل شهرين، “وهي لا تكفي حاجتنا”.
ومنذ عامين، انسحبت جميع المنظمات الإغاثية العالمية من تل تمر بعد تحولها لخط التماس مع القوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة، لتنقطع بذلك جميع أنواع الدعم عن النازحين البالغ عددهم في البلدة ثلاثة آلاف ألف شخص، بحسب إحصاءات مكتب شؤون المنظمات بتل تمر.
غياب إغاثة
وفاقم انقطاع المساعدات الإغاثية التدهور المعيشي للعائلات النازحة في ظل قلة توفر فرص العمل وغلاء الأسعار.
ويعمل زوج “العليوي” عامل مياومة، بينما يعمل طفلها البكر (18 عاماً) كعامل بأجر يومي يبلغ ثلاثة آلاف ليرة سورية (أقل من دولار أميركي واحد).
ولم تراجع المرأة طبيباً رغم تشخيص حالتها خلال الأعوام السابقة بمرضي الربو والديسك، “لا أمتلك تكلفة المعاينة”.
تضيف، “حياتنا المعيشية صعبة، ما يجنيه زوجي وابني لا يسد احتياجاتنا”.
ويقول خليل خلو، وهو رئيس مكتب شؤون المنظمات التابعة للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا في تل تمر، إن المنظمات لا تقدم الدعم للنازحين في تل تمر “وتتحجج بأن البلدة نقطة تماس ولا يستطيعون الوصول إليها وتقديم الدعم لها”.
وسابقاً، كانت “العليوي” تعمل في الحقول وتساعد زوجها في تحمل مصاريف المنزل، لكن بعد نزوحها لم تعد تحصل على فرص عمل لتراجع المواسم الزراعية.
وعلى غرار الشعب الصفية الأخرى التي يسكنها النازحون، يحل الشتاء ضيفاً ثقيلاً على النازحين في مراكز الإيواء والمخيمات وسط افتقارهم للملابس والمدافئ والأغطية.
“حل الشتاء، لكن لا يتوفر لدينا المازوت ونعاني من البرد في الليل”.
وفي كانون الثاني/ يناير 2020، ألغى مجلس الأمن التفويض الممنوح للأمم المتحدة باستخدام معبر اليعربية الحدودي بين العراق وشمال شرقي سوريا. وقلل هذا من قدرة منظمات الإغاثة على دعم نظام الرعاية الصحية المتعثر هناك والتصدي لجائحة كورونا، بحسب هيومان رايتس ووتش.
ويقدر ناشطون لمنظمات محلية إن إغلاق معبر اليعربية (تل كوجر) بين سوريا والعراق، وقوع ضرر على نحو مليونين من النازحين والسكان ذوي الدخل المحدود في المنطقة.
ورغم مناشدات منظمات ودول أعضاء في الأمم المتحدة لإعادة التفويض، إلا أن تكرر الفيتو الروسي الصيني أدى لرفض المقترحات أو تعديلها حتى قبل التصويت أحياناً.
وفي وقت سابق، قال خالد إبراهيم، وهو رئيس مكتب شؤون المنظمات في إقليم الجزيرة، لنورث برس إن إغلاق معبر تل كوجر حرم سكان شمال شرقي سوريا، من مساعدات بقيمة 26.8 مليون دولار، جراء توقف الدعم عن الكثير من المنظمات العاملة في المنطقة.
مخيمات لا تستوعب
وعام 2019، تسبب غزو تركيا بمشاركة فصائل المعارضة المسلّحة الموالية لها على منطقتي سري كانيه وتل أبيض، بنزوح نحو 300 ألف شخص، وفق بيانات الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، استقر معظم نازحي تل أبيض في مدينة الرقة وأريافها ومخيم تل السمن، 40 كم شمالها.
بينما استقر قسم من نازحي سري كانيه في مخيم “واشو كاني” الذي أنشأته الإدارة الذاتية، 13 كم غرب الحسكة، و80 مدرسة بمدينة الحسكة وريفها بالإضافة لمدارس في مدن أخرى، وسكن من يستطيعون تحمل تكاليف المعيشة في المدن والبلدات.
وفي أيلول/ سبتمبر العام الماضي، أعلنت الإدارة الذاتية عن بدء “نقل كافة النازحين الموجودين في مختلف المدارس في الجزيرة” للمخيم الجديد “سري كانيه” الذي أنشأته شرق الحسكة، لكنه لم يستوعب الأعداد الكبيرة حتى مع توسعته لاحقاً.
وفي الغرفة المجاورة، تُعد خزنة (41 عاماً)، وهي نازحة تعيش في مركز إيواء بتل تمر، الطعام لعائلتها.
تقول إن أسرتها تعتاش من عمل زوجها الخمسيني الذي يعمل على دراجة نارية، وراتب زوجة ابنها المتوفى، والتي تعمل كممرضة في إحدى العيادات الطبية في البلدة.
ولا تكفي محتويات السلة التي تصل عائلتها كل شهرين سوى لعشرة أيام.
وتضيف أن “الحياة صعبة هنا، فحتى هذه الفرشة التي نجلس عليها هي من خير الناس”.