أبناء يحافظون على الطابع التراثي لمحال آبائهم في سوق “عين ديوار” بديرك

ديرك- نورث برس

ينشغل محمد أحمد (70 عاماً) بمراجعة فواتيره في محله الصغير بسوق “عين ديوار” في مدينة ديرك، أقصى شمال وشرق سوريا.

ولم يكن الرجل السبعيني يتجاوز 25 عاماً عندما أنهى الخدمة العسكرية الإلزامية في دمشق وبدأ العمل في المحل لدى والده، إذ عاد إلى ديرك بعد ثلاثة أعوام وبدأ بمساعدة والده الذي كان يجهل القراءة والكتابة.

ويذكر الرجل السبعيني أن آجار محله في البداية كان يحتسب بالفرنك السوري، ولاحقاً 400 ليرة سورية شهرياَ، ليتضاعف تدريجياً مع مرور الأعوام حتى وصل إلى 150 ألف ليرة سورية هذا العام.

وسوق “عين ديوار” هو أحد أقدم الأسواق المعروفة في ديرك وسمي بهذا الاسم لوقوعه على الطريق المؤدي إلى قرية عين ديوار شمال المدينة.

وقديماً، كانت المحال في السوق تختص ببيع المواد الغذائية إلى جانب ألبسة وأحذية، قبل أن تتغير شيئاً فشيئاً لتختص معظمها بالأدوات الزراعية وخردوات ومستلزمات تمديدات مياه وكهرباء المنازل.

ومنذ نحو 55 عاماً، كانت عشرة محال تشكل مجتمعة منزلاً كبيراً يعود لعائلة تعرف باسم “المفتي” قبل أن يتم تحويلها إلى سوق تجاري توسط المدينة.

وبعد عقود انخفض عددها إلى خمسة فقط مفتوحة الأبواب للعمل في الوقت الحالي، إذ توفي بعض أصحابها وأغلقت لأسباب أخرى.

ذكريات بائع

ويعود الرجل السبعيني بذاكرته إلى فترة عمله في المحل، “عندما أنهيت الخدمة العسكرية، رجعت إلى مدينتي وكان والدي حينها استأجر هذا المحل مع شريك له”.

 لكن المحل وفقاً لما يرويه “أحمد” لنورث برس لم يكن يضم سوى مواد قليلة، “ومع مرور الأعوام عملت على زيادة المواد وتطوير العمل”.

ويستذكر البائع الماضي واجتماعه مع رفاقه من أصحاب المحال المجاورة، يشربون الشاي ويتبادلون الأحاديث ويقص لهم “أبو شاهين” الحكايات.

يضيف بحسرة  أن الأيّام مضت والأحوال تبدّلت، حيث توفي معظم البائعين القدامى، وأكمل أبنائهم خطا آبائهم في العمل في السوق.

يقول إن “بائعي هذا الزمن مختلفون عن جيرانه السابقين”، في إشارة منه إلى عدم رضاه عن الباعة الشباب.

ويردد الرجل جميع أسماء أصدقائه الذين وافتهم المنية ومنهم من ترك العمل في السوق لتقدم السن، وبقي هو الوحيد الذي لا يزال يعمل في محله.

وعن سبب إطلاق البعض تسمية “سوق اليهود” على السوق، يقول “أحمد” إنها تسمية المستهلكين حين لا يرضون عن الأسعار التي ترتفع، فيتهمون الباعة بأنهم السبب.

وكان محل “أحمد” في الأعوام الأولى من افتتاحه يضم مواد غذائية من سكر وأرز ومكسرات وملابس وأدوات منزلية وأحذية وغيرها، لكنه حالياً يختص ببيع أدوات كالخراطيم ودواليب السيارات والنايلون. 

استمرار المهنة

وفي بداية السوق، يقع محل إبراهيم يوسف (80 عاماً) الذي اعتاد وعلى الرغم من تقدمه في العمر على زيارة محله في الصباح والجلوس على كرسيه وقضاء بضع ساعات.

ويقول أحمد (38 عاماً)، وهو نجل إبراهيم الذي يدير المحل حالياً، إنهم كانوا يبيعون في البداية مواد غذائية ومادة السكر التمويني عن طريق القسائم الحكومية، لكنهم منذ أعوام باتوا يبيعون النايلون والأدوات الصحية ومواد أخرى.

وعلى الرغم من إدخال بعض التعديلات على محل “يوسف”، من حيث المواد التي يبيعونها مثل لوازم الصيد والطيور إلا أنهم لا زالوا يحافظون على الشكل العمراني القديم للمحل ولم يجروا تغييرات عليه.

يشير “إبراهيم ” إلى أن ما يميز هذه المحال عن الأخرى في السوق، أنها تحافظ على شكلها التراثي “ونريد أن تبقى كذلك”.

ويعمل الشاب الثلاثيني في المحل منذ نحو 20 عاماً حين تعلم المهنة على يد والده، ويرغب في الحفاظ عليها، كما أنه بدأ بتعليم ابنه تلك المهنة أيضاً.

واعتاد بنكين محمد (66 عاماً) على المجيء إلى سوق عين ديوار لشراء ما يلزمه من حاجيات منذ أن كان طفلاً.

يقول بينما يقف أمام محل: “أتذكر عندما كنت في الصف السادس، جئت لشراء حاجياتي من هذا المحل، ومنذ ذاك الوقت حتى الآن ما زلت أزور هذا السوق”.

 إعداد سولنار محمد- تحرير: سوزدار محمد